مصادر الطاقة والمهنية

هناك مبالغة كبيرة في اعتقادي من بعض بيوت الخبرة والجهات المختصة في استشراف مستقبل الطاقة، بل أرى بوضوح أن هناك تسييسا لهذا الملف وعلى رأسه النفط الذي واجه زخما إعلاميا خلال العقد الأخير حول قرب أفول نجمه والاستغناء عنه. اكتساح الطاقة الشمسية أسواق الطاقة، والتطور النوعي غير المسبوق لطاقة الرياح التي ستخلص العالم من رحمة النفط، واستغناء العالم عن الوقود التقليدي بسبب السيارات الكهربائية، جميعها "منشيتات" لافتة للنظر ولإثارة الجدل أو لتحقيق أهداف سياسية، لكنها بكل تأكيد بعيدة كل البعد في رأيي عن المهنية والموضوعية. الجدير بالتنويه أن هناك حملات إعلامية منظمة لا تخفى على المتابع لأسواق الطاقة ودهاليزها، التي انجرف البعض خلفها بلا وعي، حيث تهدف هذه الحملات المتتالية والمكثفة إلى تمرير صور ذهنية غير صحيحة عن الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط، ويتم تعزيز هذه الصورة بتكثيف هذه الحملات لكي تصبح حقائق في ذهن المتلقي مع مرور الوقت. النفط على سبيل المثال ليس حكرا على الطاقة، فله منتجات وتطبيقات كثيرة لا يسع المقال بلا شك لحصرها أو لتسليط الضوء على بعضها، ورغم ذلك سيبقى أحد اللاعبين الرئيسين في مصادر الطاقة العالمية. ندرة تسليط الضوء إعلاميا على الفحم كمصدر رئيس للطاقة في العالم إذا ما تمت مقارنته بالزخم الإعلامي القوي والمناهض للنفط ولكل ما يتعلق به، وتضخيم أي خبر سلبي عنه، يقودنا لسؤال مشروع "أين المهنية؟"، وهل للتغاضي عن سلبيات استخدام الفحم لتوليد الطاقة علاقة في الدول المنتجة له؟ حيث يتركز إنتاج الفحم خصوصا في الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية وأستراليا والصين والهند بدرجات متفاوتة. خلال العقد الماضي حل النفط أولا بنسبة بلغت 34.3 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة عالميا، وجاء الفحم ثانيا بنسبة 29.2 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة، وبحسب وكالة الطاقة الدولية في تقرير سابق لها أنه من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على الفحم بمعدل نمو سنوي مجمع 0.5 في المائة ليبلغ 5624 مليون طن من مكافئ الفحم في 2024. منذ الثورة الصناعية استمر الفحم مصدرا رئيسا للطاقة واستمر كذلك حتى يومنا هذا، وإن كان أقل أهمية من الأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، ولكنه ما زال موجودا وما زال مصدرا رئيسا للطاقة وما زال للاحتراق بقية! بالعودة إلى تقرير وكالة الطاقة الدولية نجد أن انتعاش الطلب العالمي على الفحم استمر في 2018، بسبب النمو في توليد طاقة الفحم الذي وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، ورغم التقديرات بأن توليد الطاقة من الفحم قد انخفض في 2019، إلا أن هذا يبدو أنه نتج عن ظروف معينة في بعض المناطق المحددة ومن غير المرجح أن تكون بداية لاتجاه دائم. على المدى القريب من المتوقع أن يظل الطلب العالمي على الفحم مستقرا بدعم من السوق الصينية التي تمثل نصف الاستهلاك العالمي، لكن قد تؤثر بعض العوامل في هذا الاستقرار ومنها أسعار الغاز، لأنه في حالة انخفاضها يصبح الغاز أكثر جدوى ما سيؤثر في استهلاك الفحم الحاضر الغائب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي