Author

مرونة اقتصادية  وتنمية مستدامة

|

تتبنى المملكة سياسة التنمية المستدامة الشاملة والمفاهيم الإصلاحية الاقتصادية المتنوعة من أجل تحقيق معايير وأهداف ونتائج متميزة في جميع القطاعات الحيوية التي تدعم أرقام الناتج المحلي وتزيد من حجم إيرادات الدولة، فالنتائج التي حققها الاقتصاد السعودي خلال 2023 تعد صورة عن الإنجاز التاريخي الذي شهده.

قد تجاوز عقبات صعبة، لو أنها مرت باقتصاد غيره، قد يغرق في متاهات لا خروج منها، لكن الأمر كان مختلفا في الحالة السعودية بفضل الله أولا، ثم بفضل التوجيهات الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، فقد شهدت السعودية تحديات بدأت مع انهيار السوق النفطية 2015، في وقت كانت هيكلية الاقتصاد الوطني غير مواتية في أفضل الأحوال، فالأنشطة غير النفطية لم تكن قادرة على منح المالية العامة التوازن المطلوب، حيث كان الاعتماد على مصدر واحد وهو النفط، ولم يكن القطاع الخاص قادرا على الدعم ومع ذلك أطلقت رؤية 2030 في 2016، التي وضعت التوازن المالي هدفا منظورا، والتحول الحكومي هدفا متوسطا، ووضعت الاستدامة المالية هدفا طويل الأجل، وقد تضمنت المحاور تعزيز دور القطاع الخاص وتنويع القاعدة الاقتصادية، ودخول صندوق الاستثمارات في تحديات التنمية، مع تنمية الإيرادات غير النفطية.

ومن هذا الاستعراض لا بد أن نقف وقفة تحليلية في نقطة مهمة أكد فيها مجلس الوزراء خلال جلسته التي عقدها أخيرا، أن النتائج التي سجلها الاقتصاد الوطني خلال 2023، وما تم إنجازه من خطط وبرامج ومشروعات تنموية، سيكون لها أبلغ الأثر في تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة في مختلف مناطق المملكة، هذه العبارة مكونة من ثلاثة أبعاد مهمة، الأول تاريخي والثاني عن الوقت الحاضر والبعد الثالث عن المستقبل، وقد أكدت عديد من الدراسات التي تتبعت الإصلاحات الاقتصادية التي قدمتها الرؤية السعودية أن لها تأثيرا إيجابيا في جميع المتغيرات الاقتصادية في المدى المتوسط - في حدود 2023 - شريطة تحقق عدة قضايا، أولها تواصل اتباع السياسة التوسعية، مع نمو حجم الإنفاق الحكومي، وتفعيل مبادرات تحفيز القطاع الخاص ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ونشاط التصدير، مع توجيه قدر مناسب من الموارد لزيادة دعم البرامج الاجتماعية لتعزيز القوى الشرائية للمواطنين - حساب المواطن، وبدلات غلاء المعيشة، والقروض السكنية المدعومة -، واليوم نشهد نهاية 2023 فإن ما تحقق لنا هو إنجاز حقيقي، فالخطة التي وضعت قبل نحو ثمانية أعوام تؤتي أكلها اليوم، وذلك رغم الأزمة الصحية التي تسببت في إغلاق اقتصادي كبير، لكن المملكة رفعت شعار المحافظة على الإنجازات وتعزيز الاقتصاد بالدعم غير المحدود، ما مكن الاقتصاد من تجاوز الأزمات والتحديات العالمية المتتالية، ليواصل الاقتصاد أداءه المتميز - وفقا لتقرير الميزانية العامة - مسجلا أعلى معدل نمو في دول مجموعة العشرين خلال 2022، كما ظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي منذ بداية العام نفسه حتى نهاية الربع الثالث منه نموا بنسبة 10.2 في المائة، وتجاوزت قيمته الاسمية تريليون دولار للمرة الأولى تاريخيا، وحقق الناتج المحلي الإجمالي للأنشطة غير النفطية للربع الأول من 2023 نموا بمعدل 5.4 في المائة، وواصل أداءه الإيجابي خلال الربع الثاني بنمو بلغ 5.3 في المائة، ما يؤكد نجاح جهود المملكة في تعزيز دور القطاع الخاص والتنوع الاقتصادي. 
ومن هنا فإن جميع هذه النجاحات جاءت في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي مشكلات كبيرة وحقيقية في سلاسل الإمداد، مع أخرى جيوسياسية أدت إلى توقف الصادرات في عديد من دول العالم، ومع ذلك بقي الاقتصاد السعودي واحدا من بين ثلاثة اقتصادات عالمية محققا نموا قويا، جنبا إلى جنب مع الهند والصين، كما انخفض معدل التضخم إلى 2.6 في المائة، في وقت تعاني فيه دول العالم ارتفاع التضخم متجاوزا نسبة 6 في المائة.

لقد وضعت هذه النتائج التاريخية قاعدة صلبة للإنجازات التي حققتها برامج الرؤية التي أشاد بها مجلس الوزراء، وهذا هو البعد الثاني في العبارة التي أكدها المجلس، حيث تشهد سوق العمل تطورات إيجابية استجابة لخطط الإصلاحات خلال الأعوام الماضية، فقد انخفض معدل البطالة الإجمالي في الربع الثاني من 2023 إلى 4.9 في المائة مقارنة بـ5.1 في المائة في الربع الأول، كما انخفضت معدلات البطالة بين السعوديين إلى 8.3 في المائة وتعد هذه النسبة ثاني أقل معدل منذ أكثر من عقدين.

وهذا تزامن مع النمو المستمر والمتسارع الذي شهده القطاع الخاص والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتنامي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 14.3 مليار ريال خلال النصف الأول من 2023، وزيادة عدد التراخيص الاستثمارية بنحو 60.4 في المائة لتصل إلى نحو 3456 ترخيصا خلال النصف الأول من العام، سجلت القروض العقارية التي منحتها البنوك التجارية للأفراد والشركات في نهاية الربع الثالث من 2023 ارتفاعا سنويا بنسبة 12.3 في المائة لتصل إلى ما يقارب 747.2 مليار ريال، بما نسبته 29.4 في المائة من إجمالي الائتمان المصرفي، وهذا يعد تتويجا لبرامج الحكومة الهادفة إلى زيادة نسبة تملك المواطنين للمساكن. كما أشاد مجلس الوزراء بما حققته الجهات الحكومية من تقدم في مؤشر قياس التحول الرقمي 2023، وحصول المملكة على المركز الثاني بين دول العشرين في مؤشر تنمية الاتصالات والتقنية الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2023. 
وخلاصة القول: إن هذه المتانة الاقتصادية منحت المملكة قدرة واسعة ومرونة لاستمرار الإنجازات والدفع بالمسيرة للمستقبل تحقيقا للمستهدفات وتطبيق سياسات مالية توسعيه في مستويات الإنفاق فمن المتوقع أن يبلغ إجمالي النفقات نحو 1251 مليار ريال لـ2024 ويصل إلى نحو 1368 مليار ريال في 2026، والموجه إلى البرامج والمشروعات التنموية والاستراتيجيات المناطقية والقطاعية الدافعة، ما يسهم في رفع جودة الحياة، إضافة إلى تمكين القطاع الخاص وتحفيز البيئة الاستثمارية، والاستمرار في تحسين منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية، ولأن ما وعدت به الرؤية قد تحقق تاريخيا منذ انطلاقتها، كما أن الحاضر يشهد بالإنجازات، فإننا نقف على عتبات مستقبل مزدهر، في ظل قيادة حكيمة ملهمة.

إنشرها