Author

التضخم .. ما تحقق قد يتبخر

|

تشكل البحار والمحيطات أهمية قصوى في عالم اليوم من أي وقت مضى مع تنامي الصراعات الدولية والعوامل الجيوسياسية. فقد تصاعدت التوترات في البحر الأحمر عقب تعرض سفن لهجمات أثناء عبورها هذا الممر الحيوي في طرق الشحن البحري بين أوروبا والخليج العربي وبحر العرب وصولا إلى شرق آسيا، ما أثار مخاوف من حدوث اضطرابات جديدة في التجارة العالمية، بما في ذلك إمدادات الطاقة. ومع تواصل حدة المخاطر على الملاحة التجارية في منطقة البحر الأحمر، برزت سلسلة من المخاوف حول مجالات مرتبطة بها، وعلى رأسها سلاسل التوريد، التي واجهت في العامين الماضيين، واحدة من أصعب المراحل التي مرت بها، أسهمت في النهاية في رفع أسعار السلع، وزيادة الضغوط على ساحة التضخم، واضطراب الإمدادات المختلفة، بما فيها بالطبع تلك الخاصة بالطاقة عموما وبالنفط على وجه الخصوص، ومع إعلان عدد من الشركات البحرية التجارية العالمية الكبرى وقف حركة سفنها عبر البحر الأحمر، خوفا من الهجمات الإرهابية التي يقوم بها الحوثيون، الذين قاموا بالفعل بأعمال قرصنة متعددة في الأيام القليلة الماضية، وأصبحت الضغوط على حركة التجارة أكبر وأشد وقعا. ورغم أن مثل هذه الاضطرابات ليست جديدة على المنطقة، إلا أنها تمثل اليوم مخاطر أكبر نتيجة الأوضاع الدولية السائدة عموما، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، وتفاقم المواجهات الجيوسياسية.
صحيح أن المجتمع الدولي يتحرك حاليا لمنع هجمات الحوثيين على السفن التجارية المارة في البحر الأحمر، لكن الصحيح أيضا أن شركات الشحن العملاقة، تعتقد بأن الجهود الراهنة لا تزال بطيئة لتأمين الملاحة في المنطقة، ما يعرض ناقلاتها إلى مخاطر لا يمكنها تحملها، ليس من الناحية المالية فحسب، بل والبشرية، لأن العاملين في هذه السفن معرضون بقوة للمخاطر. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بحماية السفن العابرة للبحر الأحمر، الذي تمر عبره أكثر من 40 في المائة من حركة التجارية العالمية، بل حتى بارتفاع لا يحتمل لتكاليف التأمين، ما يرفع من الإنفاق التشغيلي عليها، خصوصا أن مؤسسات تأمين رفعت في الأيام الماضية رسومها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أي عبر إعادة التأمين. كل هذا يشكل تأثيرا كبيرا في إيرادات الشركات الملاحية عموما.
الحذر الشديد لم يعد يكفي بعض القائمين على شركات الشحن العملاقة، ولذلك فضلت وقف نشاطها البحري في المنطقة حتى إشعار آخر، بينما فضلت أخرى وقف الشحن لأيام معدودة انتظارا لما سيحدث عبر الجهود الدولية الراهنة لتأمين الملاحة عموما. فهناك بعض هذه المؤسسات التي لا تتحمل وقف عملياتها حتى لبعض الوقت لأسباب تشغيلية، بدأت في إعادة تقييم قواعد استخدام القوة مع شركات الأمن البحري الخاصة. وهذا يعني أنها، لم تعد قادرة على الاعتماد (في هذه المرحلة تحديدا) على الخطوات الأمنية الدولية التي تجري، ولكن بشكل لا يتواءم مع تفاقم الأوضاع، خصوصا مع تحدي الحوثيين كل التحذيرات التي جاءتهم من عدة جهات مؤثرة في الساحة. لا شك أن الحوثي يسعى إلى إرباك المشهد التجاري العالمي أطول فترة ممكنة، ما يسبب مزيدا من الخسائر، والأهم ما يعمق المشهد الخاص بسلاسل التوريد. فهذه الأخيرة استقرت بصورة جديدة في الأشهر القليلة الماضية، بعد أن أسهمت الاضطرابات التي شهدتها، في الضغط بصورة أكبر على الحراك الاقتصادي العالمي.
وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، وواصلت شركات الشحن وقف خطوطها المارة في البحر الأحمر، فإن العالم قد يشهد ارتفاعا جديدا لأسعار السلع زيادة على نقص في المخزونات السلعية الاستراتيجية، سيضرب تلقائيا المنجزات التي تحققت في الفترة الماضية على صعيد خفض التضخم. وقد ظهرت آثار توقف سلاسل التوريد مع مطلع العقد الحالي بسرعة شديدة وأسهمت مباشرة في زيادة أسعار المستهلكين حول العالم. ومن هنا، يمكن النظر إلى المخاطر الآتية من العمليات الإرهابية والقرصنة التي يقوم بها الحوثي، خصوصا في فترة التعافي الراهنة. ولا شيء يحل الأزمة الراهنة، سوى وقف هذه الأعمال بقوة التي لا تهدد دول المنطقة فقط، بل والعالم أيضا.

إنشرها