Author

صناعة القوارب .. عناصر النجاح

|

تحدثت في المقالات السابقة عن الاقتصاد البحري وفروعه وكان المقال الأخير يستفتح القصة التنموية المحتملة لصناعة القوارب الترفيهية ـ إن ذللت عقباتها ـ وقد مر الحديث حينها على مسألة البنية التحتية دون تغطية لبقية التحديات. لذا سأمر اليوم على مجموعة العناصر التي تشكل معادلة النجاح لهذه الصناعة الممكنة لتوجهات النمو الحالية التي تستفيد أيضا منها، فصناعة القوارب تلتقي مع السياحة والترفيه والسعادة، وتمنح عددا كبيرا من القطاعات الأخرى فرصا للنمو وحالات عملية للتكسب وتبادل الفائدة. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تتجاوز قيمة مبيعات هذه الصناعة 42 مليار دولار من المبيعات المباشرة للقوارب والمنتجات المرتبطة بها. وتشكل هذه الإيرادات محورا أساسيا لجاهزية القطاع السياحي المهم في الولايات المتحدة الذي يستغل كل شاطئ لذلك. وتسمح هذه الصناعة أيضا بتوظيف أكثر من 35 ألف موظف في قطاع التصنيع، فضلا عن 50 ألف موظف في مجالات خدمات التجزئة، و100 ألف موظف في مجال خدمات الصيانة مثل الميكانيكا والكهرباء البحرية.
عندما نتحدث عن متطلبات نضج صناعة مثل صناعة القوارب فنحن نتحدث عن خمسة عناصر أساسية، السوق وقوة الطلب، البيئة، السلامة، التقنيات، والقدرة على الوصول إلى الماء "شواطئ أو مناطق بحرية". في حالتنا تشكل هذه العناصر الخمسة مجموعة التحديات الخمسة التي تتطلب المعالجة لينطلق هذا القطاع ويحرك ما يرافقه من مجالات تصنع بها القيمة. وعندما نتحدث عن السوق فنحن نتحدث عن الطلب والقوة الشرائية وصحة الاقتصاد إجمالا ما يسمح بوجود أنماط إيجابية استهلاكية للخدمات التي تنشأ من هذه الصناعة. وهذا يشمل السياحة وأصحاب الهوايات والرياضات الاحترافية وكل ما يندرج تحت الترفيه والرياضة إجمالا. ولا شك أن تحدي الطلب وكفاءة السوق قد يكونان من أسهل التحديات الخاصة بهذا القطاع نظرا للثورة التي نشهدها في المجالات الترفيهية والرياضية والسياحية إجمالا، إلا أن إدارة القطاع تتطلب بعض التدخلات والمحفزات الخاصة دون أدنى شك، خصوصا عندما ننظر لبقية التحديات الأخرى التالي سردها.
أما فيما يخص البيئة والسلامة، فهي أمور ذات أهمية خاصة هنا لكون صناعة القوارب تنتج لنا أدوات ومركبات تحتك بالبيئة البحرية مباشرة وهي بيئة حساسة إن صح التعبير وثمينة في الوقت نفسه، وكذلك تشكل السلامة الشخصية لممارسي الأنشطة المرتبطة بذلك أولوية لما فيها من الأخطار الخاصة بطبيعة هذه الممارسات. لهذا، تشكل هنا القوانين وأساليب تطبيقها حجر الزاوية الأهم، فالتطور التشريعي الخاص بالممارسات البحرية يشكل المخرج الأفضل لتحويل تحديات البيئة والسلامة البحرية إلى نقاط ارتكاز لنجاح صناعة القوارب. ومن يتابع تطور هذه التشريعات محليا يجدها قفزت قفزات كبرى أخيرا ولكنها بحاجة إلى مزيد من المواءمة المستمرة خصوصا في أساليب التفعيل والتفصيل المتوائمة مع طبيعة النمو، لكيلا تتحول التشريعات إلى حجر يتعثر به النمو المأمول.
بكل تأكيد وكما تحدثنا سابقا تشكل البنية التحتية الهيكل الأهم في المنظومة، فارتفاع حجم الطلب يعلق دائما في عنق الزجاجة الأهم وهو البنية التحتية. وهنا نتحدث عن المرافق البحرية وتوزيعها وانتشارها وسهولة الوصول إليها وتنوع نماذجها التشغيلية والربحية. لا تشمل المرافق فقط المرافئ وإنما تشمل مراكز الخدمات والصيانة ومسارات النقل واندماجها مع المناطق السياحية وقربها من المناطق الصناعية كذلك. وفي هذا المجال هناك كثير وكثير جدا من التحديات خصوصا لو نظرنا إلى الجاهزية على حسب الفئات المختلفة، فالسفن السياحية تتطلب ما هو مختلف عن اليخوت الفاخرة وقوارب الصيد الرياضي، أيضا متطلباتها مختلفة عن قوارب التنزه والإيجار والركوب السياحي.
تعد صناعة القوارب من الصناعات المتطورة التي تتمازج بتفاعل كبير مع التطورات التقنية المختلفة، سواء كانت إلكترونية أو ملاحية أو حتى صناعية، فتأثير علوم المواد في كفاءة المركبات البحرية وتمازجها مع البيئة البحرية الصعبة كبير جدا. والنتائج والتطورات التي نراها اليوم مبهرة وسريعة جدا وهي ترفع الكفاءة والتكلفة في الوقت نفسه، لذا وجود التعلم واستيراد التقنيات ومواءمتها باستمرار يعد أحد عناصر النجاح الأهم هنا.
أخيرا، تتبقى مسألة الوصول إلى الواجهات البحرية والشواطئ والمواقع، وهذا دون أدنى شك موضع نظر من المسؤولين وهو لا يقتصر على فتح الطرق مثلا فقط وإنما على تجهيز المواقع لتخدم مختلف الفئات بتوزيع مناسب مع الكثافة السكانية ومناطق الاستقطاب السياحي.

إنشرها