Author

الاقتصاد الأزرق .. قصص النجاح

|

اقتصادات البحر، الناتج المحلي البحري، اقتصادات المياه، اقتصاد المحيطات، النمو البحري، حوكمة المحيطات، استدامة البحار، كل هذه العبارات تدور حول مكون رئيس للحياة وعنصر مثير جدا في معادلات النمو والتطور، فهو قريب من الجميع، صعب على الجميع، هناك من يجيد الاستفادة منه والتعايش معه وهناك من يغرق في بضعة أشبار منه. عودة على الاقتصاد الأزرق، وهو عنوان مقال اليوم، نجده مصطلحا متزايد الاستخدام في أروقة المنظمات الدولية "البنك الدولي والاتحاد الأوروبي"، ويقصد به الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالبحار والسواحل، وقد يشار إليه كتعريف جامع لمحوري الاستغلال الاقتصادي والاستدامة، وقد يراد به جمع الفرص الاقتصادية تحت مظلة الحوكمة البحرية واستدامة هذا المورد المهم، وبعيدا عن استغلال هذا المصطلح في الشوارد الإعلامية أو الحملات السياسية إلا أنه يتطور إيجابيا في الاستخدامات العلمية، ويتم الرجوع له لتوصيف نطاق محدد من الاقتصادات والأنشطة القائمة على البحار والصناعات البحرية.
من يقترب من هذا القطاع يجد أن البنية التحتية الخاصة به مكلفة نسبيا، وهو بحاجة دوما إلى الخدمات المختصة، واحتكاكه بالبيئة "حاد"، إذ تصعب السيطرة عليه "مثلا وجود نوع دخيل من الأسماك في بيئة محدودة قد يسبب مشكلات كبرى للأنواع الأصلية وتصعب جدا معالجته، فضلا طبعا عن التحديات البيئية الأخرى مثل التلوث".
من الدول التي تمكنت من الاستفادة من خيرات البحار وأعادت تشكيل اقتصادها بشكل يتواءم مع ذلك وسخرت السياسات والتنظيمات المتعلقة بذلك، النرويج. من لا يعرف السلمون النرويجي أو صندوقهم السيادي الضخم؟ تميزت النرويج بثلاثة أنشطة اقتصادية كبرى تميزت فيها كلها وهيأت لها المتطلبات والأدوات الممكنة بشكل يستحق الاحترام، هذه الثلاثة أنشطة هي: استغلال الثروة السمكية "طبيعية واستزراعا"، وصناعة النفط والغاز، والطاقة المتجددة. تتفوق النرويج في جميع هذه المجالات سواء في قدرتها على استغلال ثرواتها الطبيعية أو في إدارتها لهذه الموارد بضبط وحوكمة رفيعة، وهذا التفوق يتطلب إدارة خاصة لهذا المورد المهم. من أمثلة الممارسات المتقدمة في النرويج استخدامهم ما يسمى بخطة الإدارة المتكاملة لإدارة الأنظمة البحرية وهي عبارة عن برنامج حكومي متكامل يجمع عددا من الوزارات المختصة "النفط والغاز، الزراعة، الثروة السمكية، إلخ" ويؤطر مسؤولياتهم المشتركة تجاه البيئة البحرية سواء من نواحي الرقابة البيئية أو نواحي تقسيم المسؤوليات جغرافيا ونوعيا لغرض تمكين هذه الجهات من تحقيق أهدافها دون أن تسمح للتعارضات والصراعات بالتأثير في المستهدف أو في هذا المورد الثمين.
من الأمثلة الأخرى التي تختلف بشكل كبير عن قصة النرويج البحرية هي سنغافورة، التي تميزت في إدارة الموانئ وأعمال الشحن كأحد أهم نقاط الاتصال البحري عالميا ويتبع هذا التميز سيل متواصل من الصناعات المرتبطة مثل خدمات الموانئ وصناعة السفن والهندسة البحرية.
على الجانب الآخر من النقل البحري نجد أن سنغافورة رغم صغر حجمها إلا أنها حققت تميزا سياحيا معتبرا يقوم على استغلال سياحة الشواطئ بشكل كبير، سواء باستغلال الجزر الاستوائية أو الأنشطة البحرية مثل الغوص وغيره. وتتميز سنغافورة أيضا بممارسات الاستزراع السمكي الذي ينشط في ذلك الجانب من القارة الآسيوية، تتميز هذه الدولة بقدرتها على جذب الاستثمارات واستخدامها للتقنية والمعايير المرتفعة في جميع ممارساتها.
من الدول الأخرى التي يضرب بها المثل جزر السيشل، التي تمكنت من التموضع في موقع قيادي ومثال ممتاز لقائمة طويلة من الجزر والدول الاستوائية. إذ تمكنت هذه الدولة من جذب الاستثمارات في مجالات الاستزراع السمكي والسياحة وتجديد البنية التحتية.
ومن ابتكاراتهم المالية قاموا بإصدار سندات خاصة تحت اسم "مبادرة السندات الزرقاء" التي تستهدف دعم إدارة المصائد البحرية واستدامتها. هناك أمثلة مختلفة لدول أخرى مثل نيوزلندا وأستراليا وتشيلي وأيسلندا، ولكل من هذه الدول قصة نجاح عادة ما تركز على جوانب معينة ملائمة لطبيعتها الجغرافية ورحلتها في التنمية.
كما أشرنا سابقا، محليا لدينا بفضل الله فرص استثنائية يمكن سردها تحت مظلة "الاقتصاد الأزرق"، وهي أوسع في نظري مما تقوم به كثير من الدول، قد يكون تأطيرنا وتعريفنا لها متأثرا بالأولويات الموجودة لدينا، وبما نملك من تنوع للموارد البحرية. حجم الاستثمارات التي بدأت اليوم ضخم بوضوح ويعني بكل تأكيد أن اكتمال المعادلة بالتأكد من استكمال المحاور المكملة للاقتصاد الأزرق يستحق الانتباه.

إنشرها