سر اللغات

ترافقنا منذ أيامنا الأولى، تبدأ بحرف واحد ثم تكبر وتزيد وتتكاثر حتى تكون كلمات وجملا نتواصل بها مع الآخر، إنها شفرة العقول ومرسولها فأنت لا تعرف الشخص وحقيقته إلا من لسانه وكلماته سواء نطقها أو كتبها، وهي من أعظم النعم التي خص الله بها الإنسان، فهو -جل في علاه- من علم الناس إياها، ولولا تعلم الله إياها ما فهموها. هذا خلاف لمن يقول إنها تجريبية بمعنى أن الناس كونوا هذه الحروف والأصوات من التجارب، فصار الإنسان أولا أبكم لا يدري ما يتكلم، إلى أن بدأ يسمع أصوات الطبيعة من حوله، صوت الرعد وحفيف الأشجار، وصوت الماء وهو يسري على الأرض، وما أشبه ذلك، فاتخذ مما يسمع أصواتا تمكنه من التعبير عن ذاته.
فاللغة عبارة عن مقاطع صوتية مترابطة تعبر عنها رموز معينة تشكل جملا لها معنى، ومجرد تلقيها بسمعك يمكنك من ابتكار أفكار وصور في الذهن ربما لم تكن موجودة من قبل، ما يوجد جسرا بين المتكلم والمخاطب من أجل تبادل أفكار جديدة. بواسطة لغتنا وكلماتنا أيا كانت استطعنا التواصل وإيصال أفكارنا إلى الآخر في كافة أرجاء الأرض لذا كانت أهمية الإعلام فهو لغة، صوت وحروف تصنع بها فكر الآخر أو على الأقل تغيره.
يمكننا توسيع اللغة وتغييرها لتلبية احتياجاتنا وهذا التنوع اللغوي مرتبط بالتنوع الفكري والمعرفي فقد وجد علماء النفس في جامعة "هارفرد" أن آراء ثنائيي اللغة قد تأثرت باللغة التي اختبرت بها تحيزاتهم وميولهم. وكان الباحثون يعتقدون أن كل لغة يتحدثها شخص ثنائي اللغة موجودة في منطقة مختلفة من الدماغ، لكن بمساعدة عمليات التصوير الحديثة ظهر العكس. فعندما يتحدث شخص ما بلغتين مختلفتين، فإن هذه اللغات جميعها تنشط عبر شبكة مشتركة من الدماغ، ما يعني أنه عندما يتقن شخص ما لغتين معا يجب عليه إيقاف إحدى اللغتين أثناء استخدام الأخرى.
هناك 7000 لغة حية منطوقة في العالم، وبالفعل يعدها اللغويون كائنا حيا ينمو ويتغير ويمتلك صفات التطور البيولوجي، وأن العوامل الاجتماعية والإدراكية تشكل اللغة مع مرور الوقت، وبالتالي تختفي تدريجيا تصاريف أفعال أو كلمات أصبح من الصعب تذكرها، أي أنها تموت أيضا، إما بالتدريج وإما بشكل مفاجئ في حالات الاحتلال والهجرات القسرية والقتل وهذا ما حدث في أغلب الدول المستعمرة، ما أدى إلى ظهور أو إيجاد لغات هجينة وجديدة تحمل سمات اللغة المحلية ولا تمثلها. ولكي نحمي لغتنا علينا التفكير من خلالها، لا من خلال لغة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي