Author

السياسة الصناعية الجديدة «2 من 2»

|

يظهر عمل جديد آخر كيف أسفرت الاستثمارات في زمن الحرب العالمية الثانية في مصانع الصناعات الدفاعية الأمريكية عن زيادة دائمة في تشغيل العمالة على المستوى الإقليمي، وتوسع مستمر في أعمال التصنيع عالية الأجر. وتتبع أبحاث حديثة أخرى حديثة كيف استمرت حركة الصناعات الثقيلة والكيميائية في سبعينيات القرن الـ20 في كوريا الجنوبية في تشجيع ودعم التوسع والميزة النسبية الديناميكية التي وفرتها الصناعات المستهدفة، إلى جانب صناعات مورديها، حتى بعد انتهاء العمل بذلك البرنامج.
أجريت هذه الدراسة على خلفية اتجاهين، أحدهما محلي والآخر دولي، وهذا ما يجعل نتائجها أكثر عصرية وإقناعا. على الصعيد المحلي، بات من الواضح أن منح السوق السيطرة على التنمية الاقتصادية يهدد بترك أعداد كبيرة من السكان والمناطق خلف الركب.
بطبيعة الحال، لا تعمل قوى السوق، إذا تركت لحالها دون قيود، على "رفع كل القوارب" تلقائيا. ومع ذلك، كان من المريح لبعض الوقت نسيان هذه النقطة باسم النقاء الأيديولوجي. وفي نهاية المطاف، عمل تركز الفقر والهجرة السكانية المطردة في مناطق مثل أبالاشيا كنداء تنبيها قويا. وعملت ردة الفعل الشعبوية العنيفة ضد النخبة الحاكمة التي سمحت لهذه الظروف بالاستمرار على إيجاد مبرر سياسي لمزيد من السياسات التدخلية، وإن كان ذلك فقط لمساعدة تلك النخبة على البقاء في السلطة.
على المستوى الدولي، أوجدت المنافسة الجيوسياسية الدائرة بين الصين والغرب أساسا منطقيا لسياسات إعادة التصنيع إلى الداخل وتطوير الصناعات التي تعد أساسية للأمن القومي. وقد اعترفت النظرية الاقتصادية والقانون الدولي منذ فترة طويلة بوجود استثناء تفرضه ضرورات الأمن القومي على التجارة الحرة. وعملت التوترات مع الصين على تذكيرنا دوما بهذه الحقيقة الأساسية.
لكن حتى لو كانت ديناميكيات التنمية الصناعية، ومشكلات المناطق الكاسدة، وحتميات الدفاع الوطني توفر مبررات اقتصادية منطقية مقنعة للسياسة الصناعية، فإن اعتراض الاقتصاد السياسي يظل قائما. فالسعي وراء الريع منتشر. ولا يخلو الأمر من شكوك حول أي القطاعات والشركات سيتسنى لها تعزيز كفاءتها بالاستعانة بالأموال العامة. ويظل تحديد الصناعات التي تستحق استثناء الأمن القومي قضية محل خلاف.
بعبارة أخرى، ما الذي يضمن قدرة العملية السياسية على تسليم السياسات التي تستهدف الصناعات المناسبة، أو تلك التي تستحق على الأسس المذكورة آنفا؟
الواقع أن البحوث الحديثة حول اقتصادات السياسة الصناعية يجب أن تستكمل بالعمل على اقتصادها السياسي. فهل من الممكن تفويض اتخاذ القرارات بشأن من يستحق الدعم إلى لجان مستقلة على غرار لجان إغلاق القواعد العسكرية في الولايات المتحدة؟
إذا جرى تفويض هذه السلطة بدلا من ذلك إلى مدير برامج منتدب من الصناعة أو الدوائر الأكاديمية، كما حدث في حالة هيئة مشاريع البحوث المتقدمة في الولايات المتحدة، فكيف يكون اختيار هذا المدير؟ وما الذي يضمن قيام هذا الشخص بالتشاور على النحو الوافي مع من يتلقون التمويل، وأن أداء المستفيدين خاضع لمراقبة دقيقة؟
"إنه الاقتصاد يا غبي"، هكذا قال الخبير الاستراتيجي في مجال الحملات السياسية، جيمس كارفيل، في مناسبة شهيرة. قد يكون هذا شعارا مفيدا للفوز في الانتخابات. ولكن عندما يتعلق الأمر بالسياسات الصناعية الناجحة فإن السياسة هي العامل الحاسم.

خاص بـ"الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2023.

إنشرها