مؤشر كفاءة استثمار الطاقة

الطاقة شريان الاقتصاد، ومحرك التنمية، وقلب التطور النابض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتطور المجتمعات وترتقي في سلم المدنية بمنأى عنها، وليس من الموضوعية تجاوز أو تجاهل حقيقة أن النمو السكاني المطرد يعني بالضرورة الحاجة إلى نمو مواز في الطاقة وشرايينها. الطاقة ومنتجاتها المختلفة ليست سلعا أو منتجات ثانوية، بل هي -في اعتقادي- منتجات أساسية وحيوية، بل وجودية على خريطة التقدم والمدنية، والخطر الحقيقي المحدق بهذا القطاع -في رأيي- هو تبني بعض الدول وصناع القرار وبيوت الخبرة أفكارا غير صحيحة، بل مضللة حول الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط.
هذه الأفكار قد تؤدي إلى اتخاذ بعض الدول والمنظمات قرارات استراتيجية غير صحيحة ستضر هذا القطاع على المديين المتوسط والبعيد، مدفوعة، وأعني هنا القرارات الاستراتيجية بأجندات سياسية واقتصادية ضيقة الأفق. محاولة تقويض صناعة المنبع وأنشطتها المختلفة والاستثمار فيها، هو خطأ استراتيجي جسيم، بل خطر حقيقي يهدد استقرار أسواق النفط على المدى المتوسط، بل سيؤدي في رأيي -لا قدر الله- إلى أزمة حقيقية في الطاقة.
يجب التنويه أن الاستثمار في صناعة المنبع هو مرآة مستقبل أسعاره، حيث إن ضخ الاستثمارات في عمليات الاستكشاف والتنقيب والحفر وتطوير الحقول القائمة واستقطاب وتطوير التقنيات التي تخدم حقول النفط والغاز، ضخ هذه الاستثمارات يعني مزيدا من الإنتاج ونموه، ليوازي النمو السكاني المتسارع، إضافة إلى النمو الاقتصادي والصناعي والخدمي العالمي عموما، والنمو الاقتصادي للدول الناشئة. الخطط الاستراتيجية على مستوى الاقتصاد الكلي أو الجزئي لن تكتمل أركانها، ولن تتحقق أهدافها المرجوة إلا بوجود مراكز معتبرة تقوم بصناعة دراسات مستقبلية استشرافية مبنية على بيانات ذات جدوى، يقوم بمعالجتها مختصون فتنتج عن ذلك معلومات ذات قيمة تغذى بها هذه الدراسات، فتنعكس إيجابا على مخرجاتها ودقتها. وكما ذكرت قطاع الطاقة قطاع حيوي واستراتيجي لا يحتمل -في اعتقادي- مدخلات غير دقيقة وغير موضوعية لاستشراف مستقبله، حيث إن الاستشراف غير الدقيق لمستقبله قد يؤدي إلى اضطراب قوي في أسواقه وشرايينه لن تسر المستهلكين قبل المنتجين.
بنك "جولدمان ساكس" نشر تقريرا استشرافيا لاقتصادات العالم بحلول 2075 جاء فيه أن اقتصاد كل من الصين والهند بالتوالي سيتربعان على عرش صدارة أكبر اقتصادات العالم في 2075، حيث يتجاوز اقتصاداهما اقتصاد الولايات المتحدة التي تتوقع "جولدمان ساكس" أنها ستحتل المرتبة الثالثة بحلول العام ذاته، وفق معيار الناتج المحلي الإجمالي، اللافت أن قائمة أكبر 20 اقتصادا في العالم من حيث الإجمالي المحلي، ستخلو من دول أوروبا وروسيا! حيث إن ترتيب أكبر اقتصادات العالم سيضم بالترتيب، بعد الصين والهند وأمريكا كما تم ذكره سابقا، إندونيسيا ونيجيريا وباكستان ومصر والبرازيل والمكسيك وتركيا وبنجلادش وإيران وفيتنام والسعودية. يليها في الترتيب كل من تايلاند والفلبين وجنوب إفريقيا والكونغو وإثيوبيا، وأخيرا في المرتبة الـ20 كينيا.
ما سبق من أرقام يعلق الجرس، ومن المفترض أن يتم توحيد الجهود وتوفير الموارد لرفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك لجميع مصادر الطاقة دون استثناء، لا محاربة الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط، بل أقترح أن تطلق "أوبك" مؤشرا لكفاءة الاستثمار في قطاع الطاقة بمنزلة جرس إنذار لصناع القرار وبيوت الخبرة عند انخفاض هذا المؤشر، بل ستستفيد منه مراكز الدراسات المستقبلية في مدخلاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي