تحفيز السيارات الكهربائية وذرائع الغرب

شهدت الأعوام العشرة الماضية نموا قويا في مبيعات السيارات الكهربائية بنوعيها الهجين والكهربائي الخالص. وتضاعف حجم سوقها عشر مرات بين عامي 2012 و2017، ثم تضاعف عشر مرات أخرى خلال الأعوام الخمسة الماضية. وبلغ إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية الجديدة عالميا نحو مليون سيارة في 2017. أما العام الماضي، فقد قفز إلى أكثر من عشرة ملايين سيارة. وبذلك شكلت مبيعات السيارات الكهربائية ما يقارب 14 في المائة من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في أرجاء المعمورة خلال 2022. ومن المتوقع أن تشهد الأعوام المقبلة نموا قويا في أعداد مقتنيها. وإذا استمر نمو الطلب بالمعدلات العالية، كما هو متوقع، فتستشرف بعض المصادر المتخصصة أن تسهم هذه السيارات بنحو 18 في المائة من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في 2023. ويقدر إجمالي عدد السيارات الكهربائية على الطرق حاليا حول العالم بما يقارب 26 مليون سيارة.
تهيمن الصين على صناعة السيارات الكهربائية، وفي الوقت نفسه، تشكل السوق الرئيسة لها. وأسهم مستهلكوها بشراء نحو 60 في المائة من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية العام الماضي، بينما جاءت أوروبا في المركز الثاني بنحو 27 في المائة، واحتلت الولايات المتحدة المركز الثالث بما يقارب 10 في المائة من إجمالي المبيعات العالمية. ويتركز الطلب بشكل واضح في الصين وأوروبا والولايات المتحدة، أما باقي العالم فيسهم بحصة منخفضة. ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى سياسات الدعم القوية في الأسواق الثلاث للتحول نحو استخدام السيارة الكهربائية. وتدعم سياسات هذه الدول طرفي معادلة بيع السيارات من منتجين ومستهلكين. كما تدعم السياسات العامة في تلك الدول بقوة توفير البنية الأساسية لاستخدام السيارات الكهربائية. إضافة إلى ذلك، تلعب أسعار المنتجات النفطية دورا واضحا في تشجيع التحول نحو السيارات الكهربائية، حيث ترتفع أسعارها في الصين وأوروبا مقارنة بالولايات المتحدة، ما يشجع الصينيين والأوروبيين على التحول بدرجة أكبر نحو السيارة الكهربائية. من ناحية أخرى، تميل أنماط استهلاك السيارات في الصين وأوروبا نحو السيارات الأصغر حجما، بينما يميل الأمريكيون إلى اقتناء السيارات الأكبر حجما. ويبدو أن السيارات الكهربائية الصغيرة أجدى اقتصاديا وأقل تكلفة من السيارات الكهربائية الأكبر حجما.
أما باقي العالم فلا يبدي حماسا لاستخدام السيارة الكهربائية، لأن كثيرا من الدول يواجه ضغوطا في إنتاج الكهرباء وهي ليست بحاجة إلى زيادة الطلب عليها، ولا التضحية بمواردها العامة المحدودة لتشجيع اقتناء السيارات الكهربائية. إضافة إلى ذلك، يوفر استهلاك وقود السيارات من المنتجات النفطية موارد ضريبية ضخمة يصعب على معظم الدول التخلي عنها، بينما تشكل السيارات الكهربائية عبئا ضريبيا على ميزانيات الدول الداعمة لاستخدامها. ولا يقتصر الأمر على ذلك حيث يتطلب التحول نحو استخدام السيارات الكهربائية بنية أساسية تحتاج إلى تخصيص استثمارات ومبالغ ودعم حكومي، أولى بها قطاعات حيوية أخرى أكثر أهمية لسكانها من السيارات الكهربائية، وهو ما لا يحظى بالدعم الشعبي ولا يفضله كثير من الدول.
تستهدف الدول الرئيسة المستهلكة للسيارات الكهربائية رفع عددها بمعدلات مزدوجة خلال الأعوام المقبلة. وتتوقع مصادر في هذه الدول أن يفوق إجمالي عدد السيارات الكهربائية على طرقات العالم في 2030 حاجز 200 مليون سيارة، وأن تتجاوز مبيعاتها 40 مليون سيارة في ذلك العام.
وتضغط الدول المشجعة للتحول نحو استخدام السيارة الكهربائية على أسواق السيارات من خلال الأنظمة والقوانين المتحيزة ضد استخدام السيارات الأخرى، التي تركز على رفع متطلبات توفير استهلاك المنتجات النفطية وفرض ضرائب مرتفعة على الوقود. وتصل الضغوط على الأسواق حتى إلى سن قوانين منع بيع الجديد منها، وحصره في السيارات الكهربائية عند منتصف الثلاثينيات المقبلة، كما فعل بعض الدول الأوروبية وعدد من الولايات الأمريكية، على الرغم من معارضة شرائح سكانية كبيرة هذه السياسات. وفي هذا تدخل قوي، وحد من حرية الأسواق والمستهلكين في تحديد خياراتهم والأنسب لهم. وفي الوقت نفسه تكيل بعض هذه الدول وأدواتها الإعلامية التهم الزائفة لمصدري النفط بالتدخل في الأسواق الحرة، بينما هي التي تتخذ تحفيز السيارات الكهربائية ذريعة لممارسات احتكارية. في المقابل، تسير الدول المصدرة للنفط وفق سياسات منسقة ومتزامنة من قبل المستهلكين الرئيسين، للحفاظ على توازن السوق البترولية.
وتستخدم الدول الغربية في كثير من الأحيان مبررات لتحقيق أهداف لا تحظى بدعم أغلبية الرأي العام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي