إبعاد الأموال عن دائرة الظل وتحسين الحوكمة

بلغ إجمالي الناتج المحلي العالمي 87 تريليون دولار في 2019، صعودا من 11 تريليون دولار فقط في 1980. على الرغم من أن إجمالي الناتج المحلي هو واحد فقط من عدة مقاييس للرفاهة، فإن التحسن ملحوظ في هذا الجانب. ولكن قبل أن نبدأ الاحتفاء بهذا الإنجاز، فلننظر إلى هذه الأرقام التي تشير إلى الجانب المظلم في الاقتصاد العالمي:
سبعة تريليونات دولار أمريكي يعادل هذا الرقم 8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ويمثل الحجم المقدر للأموال المخبأة في المراكز المالية الخارجية، التي يرجح أن تكون الأنشطة غير المشروعة هي مصدر كثير منها.
تريليون دولار أمريكي هذا هو حجم الإيرادات الحكومية الإضافية التي يمكن تحقيقها بتخفيض الفساد حول العالم بمقدار الثلث.
وتلقي هذه الأرقام الضوء على الجوانب المستترة في الاقتصاد العالمي، والأموال التي تفلت من أيدي محصلي الضرائب والأجهزة التنظيمية والقائمين على إنفاذ القانون. إنها المكاسب غير المشروعة المتأتية من الرشوة وعائدات المراجحة التنظيمية والأرباح المحققة من مواطن الإقامة الضريبية التي يعدها بعضهم معادلا للتهرب الضريبي. وكل هذه الأشكال معا تنال من المصلحة العامة. إنها أموال مفقودة كان يمكن استخدامها في تحسين حياة الناس.
وزادت هذه التحديات مع ظهور التمويل الرقمي والأصول المشفرة والجريمة الإلكترونية. فهناك ما يسمى الشبكة المظلمة، وهي سوق مستترة لتداول كل شيء من الهويات المسروقة إلى الأسلحة والمخدرات.
بغض النظر عن كون هذه الممارسات غير قانونية أو غير شرعية، فإن تأثيرها كبير في الإيرادات الحكومية حول العالم، وهناك دعوات متزايدة لأن يقوم المجتمع الدولي بإزالة المناطق الرمادية في القواعد التنظيمية.
لكن الأمر لا يقتصر على إنفاذ القانون. فالحكومات تتعرض لضغوط تدفعها للتكيف مع التغيرات السريعة في الاقتصاد العالمي التي يمكن أن تعود بمنافع هائلة ـ إذا تم التعامل معها بالشكل المناسب. وينطبق هذا بالتأكيد على التكنولوجيا المالية، وربما الأصول المشفرة.
وهناك تزايد مستمر في الطلب على موارد الحكومة ـ لتعزيز النمو في بعض الاقتصادات المتقدمة، وإنشاء البنية التحتية في الأسواق الصاعدة، وتحسين الصحة والتعليم في العالم النامي. ومن ثم فإن استنزاف تريليونات الدولارات يشكل خطرا على رفاهتنا، فهو يسهم في إضعاف الثقة بالحكومة، وينال من قدرتها على معالجة المشكلات الاقتصادية الأساسية، مثل عدم المساواة والفقر.
وتشير أبحاث الصندوق إلى أن إهدار الأموال في سياق المشاريع العامة أقل بكثير في الدول التي يسجل فيها الفساد المدرك مستويات أدنى. وفي الدول منخفضة الدخل، تقل نسبة موارد الميزانية المخصصة للتعليم والصحة بمقدار الثلث في الدول الأكثر فسادا، ما يخفض فاعلية الإنفاق الاجتماعي.
فكيف إذا نعالج هذه المشكلات؟
هذا هو المجال الذي يهدف الصندوق إلى إحداث أثر فيه. فنحن نعمل من كثب مع السلطات الوطنية والهيئات متعددة الأطراف والقطاع الخاص منذ نحو العقدين لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وكنا في طليعة الساعين لتعزيز شفافية المالية العامة، ومواجهة الفساد بصورة متزايدة.
فالأمر يتعلق بالمفهوم الأساسي للحوكمة ـ كيف تحدد الدول سياساتها الاقتصادية وتقوم بتنفيذها بكل تفاصيلها المتشعبة، وكيف يمكنها الالتزام بسيادة القانون. وفي العام الماضي، اعتمد الصندوق إطارا شاملا لتعزيز المشاركة في الجهود المعنية بالحوكمة، وهو إطار يشمل الأنشطة الأوثق صلة بالاقتصاد ـ على غرار تحصيل الضرائب وأعمال البنوك المركزية والإشراف على القطاع المالي وتنظيم السوق.
وليس تحسين الحوكمة بالأمر الهين، فهو يتطلب جهدا متواصلا على المدى الطويل. وهو ليس بالفعل الصحيح فحسب، بل هو أيضا يحقق منافع ملموسة لملايين البشر. والعمل المشترك من شأنه المساعدة على ضمان النجاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي