آثار رفع الفائدة الأمريكية في الأفراد

قادت التطورات التقنية والاقتصادية العالمية وسهولة النقل والتواصل بين أرجاء العالم إلى رفع درجات الترابط الاقتصادي بين دول العالم. واكتسبت الدول الكبرى اقتصاديا تأثيرات واسعة في التفاعلات الاقتصادية في أرجاء العالم كافة. وتحتل الولايات المتحدة المركز الأبرز في التأثير الاقتصادي والمالي عالميا، ويقف مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" على قمة المؤسسات النقدية العالمية، وتؤثر قراراته في أرجاء واسعة من العالم بما في ذلك الأفراد القاطنون آلاف الكيلومترات من مقره.
بدأ المجلس سياسة رفع معدلات الفائدة بداية العام الماضي، وزادها خلال عشرة اجتماعات متوالية ثم توقف برهة، ثم عاود في اجتماعه الأخير رفع معدلات الفائدة الأساسية ربع نقطة مئوية.
ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات الفائدة الأساسية بما يزيد قليلا على خمس نقاط مئوية في 20 شهرا، وأوصلها هذه الأيام إلى 5.5 في المائة. وواكب عدد من البنوك المركزية العالمية هذه الزيادات ورفعت بدورها نسب الفائدة، التي تبعتها زيادات في مختلف معدلات الفوائد التجارية والحكومية.
أثرت زيادات الفائدة الأخيرة في معظم الأفراد في أرجاء العالم. ويجبر رفع الفائدة الأساسية الأمريكية البنوك المركزية الرابطة عملاتها مع الدولار، على رفع فائدتها الأساسية بالنسبة نفسها. أما الدول التي لا ترتبط بالدولار فتواجه ضغوطا على معدلات صرفها إن لم ترفع الفائدة. ونظرا لارتباط الريال بالدولار الأمريكي، فقد رفع البنك المركزي السعودي معدلات الفائدة الأساسية بشكل متزامن ومتساو مع الرفع الأمريكي.
ورفع الفائدة الأمريكية يجبر معظم المصارف العالمية على مواكبته، ما يؤثر سلبا في النشاط الاقتصادي العالمي، وتنتقل التأثيرات السلبية إلى أسواق المنتجات والخدمات فينخفض نمو الطلب الذي ينتقل بدوره إلى أسواق السلع الأولية.
وثبطت زيادات الفائدة خلال الفترة الأخيرة أحجام تمويل الأفراد والمؤسسات في العالم، وكلما نشط الأفراد والمؤسسات اقتصاديا ازداد اعتمادهم على التمويل وتأثروا أكثر بزيادة الفائدة، وتتفاوت عالميا مستويات اعتماد الأفراد والمؤسسات على الائتمان، حيث ترتفع إلى مستويات عالية في بعض الدول المتقدمة، بينما تتراجع في الدول النامية.
وقاد رفع الفائدة إلى زيادة تكاليف الائتمان وأجبر الأفراد والمؤسسات على الحد منه أو الإحجام عنه مؤقتا، ولا يقتصر الأمر على رفع التكاليف فقط، بل تدفع زيادة الفائدة المصارف إلى التمحيص أكثر في الجدارة الائتمانية للمقترضين، وتخفض بالتالي فرص حصولهم على التمويل.
ترفع زيادة الفائدة الأساسية معدلات الرهن العقاري، حيث صعدت في الولايات المتحدة بنحو أربع نقاط مئوية خلال الفترة الماضية، كما ارتفعت في دول أخرى. وضخم الارتفاع أقساط الرهن الجديد بما يزيد على النصف وأخرج أعدادا كبيرة من قائمة الحصول على التمويل. أما المقترضون السابقون بنسب متغيرة فيواجهون زيادات كبيرة في أقساط الرهن العقاري، ما يرفع مخاطر تخلف بعضهم عن السداد. وتقود عادة زيادة الفائدة، إلى رفع تكاليف القروض العقارية الجديدة والقديمة المرنة، لكن ليس بالنسبة نفسها، حيث إنها قروض طويلة الأجل، وتتأثر بارتفاع العائد على السندات طويلة الأجل.
تتسبب زيادة الفائدة في رفع تكاليف تمويل شراء السيارات والسلع المعمرة بشكل إجمالي. وارتفعت نسب فوائد تمويل السيارات في كثير من أرجاء العالم بنقاط مئوية عدة خلال الفترة الماضية. وهذا قد يخفف الضغوط على أسعار السيارات التي برزت بعد أزمة كورونا، ويكبح زياداتها المتسارعة التي لم يسبق له مثيل.
من جانب آخر، رفعت المؤسسات المالية المصدرة لبطاقات الائتمان معدلات فائدة التمويل المرتفعة أصلا حتى تجاوزت 20 في المائة هذه الأيام، لهذا تزداد أهمية الرشادة المالية والتسديد المبكر لأي التزامات في هذه البطاقات لتجنب التربح المفرط الذي يجنيه مصدروها.
تؤثر زيادة الفائدة -غالبا- سلبا في أسعار الأسهم، فإذا كنت من ملاك الأسهم فقد تشهد أسعارها نموا ضحلا أو حتى تراجعا، ما يحد من نمو قيم محافظ الأسهم. أما إذا كنت من ملاك السندات، فإن رفع معدلات الفائدة يخفض قيم السندات المصدرة بمعدلات فائدة أقل، مما يقلص ثروات ملاكها. أما المودعون في حسابات توفير مرتبطة بالفائدة فسيجنون مكاسب إضافية بسبب رفع الفائدة، ما سيحفز الادخار ويرفع ودائعه، وكانت حسابات التوفير قبل 20 شهرا تدر نسبا هزيلة من العوائد، أما الآن فإن بعض المؤسسات يدفع 5 في المائة عوائد على حسابات الادخار.
يدفع تسارع معدلات الفائدة الكبير المؤسسات الإنتاجية، إلى الإحجام عن التوسع والاستثمار، وقد يقلص الطلب على منتجاتها، ما يتسبب في خفض فرص العمل، وقد يهدد أمان بعض الوظائف ويرفع معدلات البطالة.
ومع كل التأثيرات السلبية لزيادة الفائدة إلا أن نجاحها في كبح التضخم والسيطرة عليه يخفف كثيرا منها، ويساعد مستقبلا على تحفيز واستدامة النمو الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي