خواطر حول الأعياد

الأعياد مناسبات تظهر المجتمعات فيها مشاعر ومظاهر الفرح والابتهاج، وتحاول الترويح عن النفس من مشاق الحياة التي تتكبدها معظم العام. وتستغل الأعياد للتزاور والتواصل والتراحم وتقوية الروابط بين أعضاء المجتمع. وتأتي الأعياد الإسلامية بعد أو تتزامن مع إنجازات وعبادات عظيمة كصوم رمضان أو الحج وذبح الأضاحي. وتختلط بهذه الأعياد الطقوس الدينية بالعادات والتقاليد، فمع حرص المجتمعات الإسلامية على تتبع السنن النبوية والواجبات الشرعية في الاحتفال بالأعياد، إلا أن لدى كل مجتمع تقاليد وعادات تميزه عن المجتمعات الإسلامية الأخرى. 
يقال إن العيد سمي عيدا لأنه يعود كل عام في الموعد نفسه بالفرح والسرور، أو لأن الناس اعتادوا عليه. ولكل عيد طقوس ومظاهر تميزه عن غيره، فعيد الفطر يتميز بلبس الجديد وكثرة تقديم الحلويات، بينما يتميز عيد الأضحى بذبح الأضاحي. ومع كل ما يدخله العيد على النفوس من بهجة وسرور على الأسر والمجتمعات، فإن له آثارا متعددة على الدول وميزانيات الأسر والأنشطة الاقتصادية.
على العموم تتوقف الأغلبية العظمى من الناس والمؤسسات الإنتاجية عن العمل في الأعياد ويتعطل إنتاج معظم السلع والمنتجات والخدمات، ولكن تحدث طفرة كبيرة في استهلاك سلع ومنتجات وخدمات معينة مرتبطة بأنشطة العيد. إن لدى الإنسان ميولا ورغبات نفسية بنيت على مر الأعوام للاحتفال بالأعياد وتخصيص موارد معينة لإدخال البهجة والسرور على النفس والأسرة وكسر رتابة الحياة العملية. وبذلك لا عجب من رؤية اندفاع أفراد المجتمعات للتمتع والترويح عن النفس والعائلة وتقوية الروابط الاجتماعية والأسرية والإكثار من السفر والترحال بالأعياد وتحمل تكاليفها برحابة صدر.
إن توقف عجلة الإنتاج خلال فترات الأعياد لا يعني بالضرورة تراجع الاقتصاد وخسارة الدخل، حيث يمكن تعويض هذا التراجع في فترات وجيزة بعد العيد، كما يحدث في الإجازات الأسبوعية والسنوية. وتتوافر لدى المجتمعات طاقات إنتاجية فائضة عن الاستهلاك، لهذا، فليس من الصعب التعويض مقدما أو لاحقا عن فترات التوقف القصيرة. أما في جانب الطلب، فيحدث ارتفاع كبير في الطلب على سلع ومنتجات وخدمات معينة في الأعياد، كالملابس أو الأضاحي أو خدمات السفر والضيافة والترفيه. ونظرا إلى تعود المجتمعات على طفرات الطلب هذه تستعد الأسواق لها وتوفر الاحتياجات اللازمة من السلع والخدمات في الأعياد. وتحقق بعض القطاعات نسبة كبيرة من دخلها وأرباحها في مواسم الأعياد المؤقتة والقصيرة. لهذا يمكن القول إن الأعياد تسهم في نمو قطاعات معينة ومن المرجح -وعلى النقيض مما يظنه البعض أنها تخفض الناتج المحلي- أنها ترفع بعض الشيء من قيمة الناتج.
نظرا إلى طفرة الاستهلاك القصيرة على سلع ومنتجات وخدمات العيد يواجه المستهلك ارتفاعا في أسعارها خلال مواسم الأعياد. ويلاحظ هذه الأيام قفزات في أسعار مواشي الأضاحي خصوصا الغنم. وقد تضاعفت أسعار الأغنام نحو أربع مرات خلال الـ25 عاما الماضية، على حد علمي المحسوس. ويمكن الإشارة إلى أن الرقم القياسي لتكاليف المعيشة لا يتضمن بندا عن تكاليف الأضاحي على الرغم من أنها تمثل جزءا معتبرا من سلة المستهلك يفوق كثيرا من البنود الغذائية التي ترد في الرقم القياسي لتكاليف المعيشة.
حد ارتفاع الأسعار من قدرات كثير من الأسر على تقديم الأضاحي أو توفير بعض احتياجات الأعياد، كما ولد أعباء إضافية على ميزانيات الأسر محدودة ومتوسطة الدخل. وتحاول شركات ومؤسسات قليلة مشكورة كسب ولاء موظفيها والتخفيف من وطأة ارتفاع تكاليف العيد من خلال منح علاوات أو منح إضافية لشهر رمضان، لكن نادرا ما يقدم أي شيء خلال موسم عيد الأضحى. وسيساعد التوسع في مثل هذه العلاوات، الأسر العاملة، على مواجهة تكاليف الحياة، ويحسن العلاقة بين المؤسسات وعامليها ويدعم استمرارية العمالة في وظائفها.
تحاول دول إسلامية عديدة التوسع في وفرة سلع ومنتجات وخدمات الأعياد، لكن تحد إمكانات كثير منها عن تقديم الحد الأدنى من الدعم. لكن الأهم من ذلك هو السعي قدر المستطاع لتيسير تدفق السلع والخدمات ومنع الاختناقات، والحد من ممارسات الاحتكار والغش والتربح الفاحش، وضمان حرية الأسواق وتنافسيتها. فهذه الإجراءات تساعد على خفض الأسعار الحرة إلى أقل مستوى ممكن وتوفير الكميات التي يحتاج إليها المستهلك. 
يعاني كثير من إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مآسي وكوارث صنعها الإنسان بتصرفاته الحمقاء، ولسان حالهم يقول "عيد بأي حال عدت يا عيد". ولا نملك كأفراد إلا أن نرجو من الله أن يرفع معاناة هؤلاء ويؤلف بين قلوب المسلمين ويرفع الأذى عنهم. وتعصف النزاعات المسلحة والجشع بالسلطة بدول إسلامية آخرها السودان وقبلها سورية وفلسطين وليبيا والصومال واليمن. كما يتعرض كثير من الأقليات الإسلامية المنتشرة حول العالم للاضطهاد والتمييز وهضم الحقوق. في المقابل تعيش منطقة الخليج في بحبوحة من العيش، وهي أشبه بجزيرة من الرفاهية في وسط محيط من المآسي. لهذا يجب علينا في هذا الجزء المحظوط من العالم واجب الشكر للمولى على نعمه، ودعم الاستقرار في ديارنا، ومساعدة المسلمين المعانين في باقي أرجاء المعمورة بقدر استطاعتنا. 
وكل عام والجميع بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي