الأزمة الاقتصادية والسياسة النقدية «3 من 3»

ستتضرر البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة خصوصا إذا زاد تجزؤ التجارة وانفلتت التوقعات التضخمية عن ركيزتها المستهدفة. وأصبحت هذه الاقتصادات بالفعل أكثر عرضة للصدمات الخارجية، كما يمكن أن تواجه مفاضلات أكثر صعوبة بين السياسات.
ويمكن أيضا، من حيث المبدأ، أن تكون للجائحة والحرب آثار دائمة في جانب الطلب في الاقتصاد من خلال التأثير في سعر الفائدة الحقيقي التوازني "سعر الفائدة الذي يحقق به الاقتصاد على المدى الطويل ناتجه الممكن دون تحمل التضخم". كذلك يمكن لهما التأثير في عدم المساواة، والخصائص الديموغرافية، والإنتاجية، والطلب على الأصول الآمنة، والاستثمار العام والدين العام، وغيرها. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي الجائحة والحرب إلى زيادة انخفاض السعر التوازني بسبب زيادة الطلب على الأصول الآمنة وزيادة عدم المساواة.
وعموما، من المحتمل ألا تكون هذه الآثار كبيرة للغاية، وبالتالي، من المحتمل أن يظل السعر التوازني منخفضا، رغم استمرار عدم اليقين بشأن مستواه الفعلي. وعلاوة على ذلك، فإن التحول الدائم إلى الإنفاق بالعجز، أو تنفيذ استثمارات مناخية ضخمة للحاق بالركب، قد يؤديان إلى زيادة كبيرة في السعر التوازني.
وبشأن الانعكاسات على صعيد السياسات فقد فرضت الجائحة والحرب مزيدا من التحديات أمام البنوك المركزية. وفي الأعوام الأخيرة، ركزت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة على تقديم دفعة تنشيطية كافية لدعم النمو وزيادة معدل التضخم المنخفض. وتمثلت مهمتها في توفير الذخيرة المالية اللازمة من خلال أسعار فائدة قريبة من الصفر عندما بدا أن التضخم قدر له أن يظل منخفضا للغاية.
والآن تؤكد هذه الأزمات للبنوك المركزية أن إدارة المخاطر تعني مراعاة التضخم المنخفض أو المرتفع للغاية، وإمكانية حدوث توترات أقوى بين أهداف استقرار الأسعار والتوظيف أو النمو. وأوضحت الجائحة أيضا كيف أن العلاقة بين البطالة والتضخم، التي تستند إلى منحنى فيليبس، قد لا تكون ثابتة عندما يكون الاقتصاد قويا، وأن صدمات مثل أسعار الطاقة المرتفعة قد تحدث في أوقات اليسر بطرق مختلفة مقارنة بفترات الضعف.
وبالتالي فإن الخطر الأوضح المتمثل في التضخم السريع يعني أن من الضروري إعادة النظر في قوة استراتيجيات مثل تنشيط الاقتصاد والنظر إلى صدمات العرض بوصفها مؤقتة. ورغم ما تقدمه هذه الاستراتيجيات من مزايا، فإنها تزيد المخاطر المحيطة باستقرار الأسعار.
وإلى جانب هذه الدروس، هناك مخاوف من احتمال أن تؤدي الجائحة والحرب إلى صدمات أكبر على جانب العرض، وتوقعات تضخمية أقل ثباتا. فهذه المخاطر هي الأكبر في الأسواق الصاعدة، خاصة تلك التي تعاني ديونا مرتفعة. لكن في ظل التضخم الأسرع على مدى عقود، تواجه البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة أيضا مخاطر كبيرة، ولذلك يتعين عليها الثبات على المسار نفسه والحفاظ على أسعار فائدة السياسة النقدية التقييدية إلى أن ترى دلائل دائمة على عودة التضخم إلى مستواه المستهدف. ولا يمكننا أن نحقق نموا اقتصاديا مستمرا دون استعادة استقرار الأسعار.
وبينما يتعين على البنوك المركزية أن تقود جهود مكافحة التضخم، يمكن أن تساعد سياسات أخرى في هذا الشأن. فسياسة المالية العامة ينبغي أن تسهم بدور، من خلال المساعدة الموجهة للفئات الأكثر ضعفا التي لا تحفز الاقتصاد. ويجب على صناع السياسات إعطاء دفعة لجدول أعمال المناخ للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي. وأخيرا، ستعمل السياسات التي تحد من مخاطر التجزؤ في التجارة العالمية على الحد من مخاطر صدمات العرض وتساعد على تعزيز الناتج العالمي الممكن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي