الأزمة الاقتصادية والسياسة النقدية «2 من 3»

سلطت الجائحة الضوء على صعوبات قياس التراخي الاقتصادي. ورغم أن خطأ القياس لا يمثل مشكلة خطيرة إذا كان منحنى فيليبس مسطحا، فإنه يكون كذلك إذا كان المنحنى غير خطي عندما تنخفض البطالة إلى ما دون معدل طبيعي يحيط به عدم يقين كبير. وفي هذه الحالة، قد يقوم صناع السياسات دون دراية بدفع البطالة إلى مستويات أقل من تقديرهم "المفرط في التفاؤل" للمعدل الطبيعي، وإذكاء طفرة تضخمية ـ كما حدث أثناء التضخم الكبير في سبعينيات القرن الماضي. وإضافة إلى ذلك، تشير الجائحة إلى أن تنشيط الاقتصاد يزيد من احتمالات تعرض القطاعات الرئيسة لقصور الطاقة الإنتاجية، ما يؤدي إلى ضغوط تضخمية قد تصبح واسعة النطاق.
وربما يظل تنشيط الاقتصاد أمرا مرغوبا في ظروف معينة، ولكن يجب على صناع السياسات أن يكونوا أكثر فهما للجوانب السلبية المحتملة وأن يتوخوا الحذر إزاء المغالاة في التنشيط.
وكانت هناك وجهة نظر أخرى قبل الجائحة مفادها أن البنوك المركزية الكبرى يمكن أن تستخدم مصداقيتها في "غض الطرف" عن صدمات العرض المؤقتة، مثل أسعار النفط المرتفعة، وافتراض أن التضخم سيكون مؤقتا. وسيتم تعديل أسعار الفائدة الأساسية استجابة للآثار اللاحقة، أي الآثار الأكثر استمرارية على التضخم. لكن التقديرات تشير إلى أن هذه الآثار تكون محدودة عادة، لذلك لم يكن على صناع السياسات التفاعل كثيرا، حتى مع الصدمات الكبرى ـ تماشيا مع المفاضلات المواتية بين التضخم والتوظيف.
وقد أكدت الجائحة كيف يمكن لصدمات العرض أن تكون ذات آثار تضخمية مستمرة وواسعة النطاق بسرعة مذهلة. وقد تنتشر ضغوط قوية رافعة للأسعار في بعض القطاعات من خلال سلاسل الإمداد وتمتد إلى الأجور، أو تؤثر في توقعات التضخم، ما يؤثر في تحديد الأسعار أو الأجور.
ويشير ذلك إلى أن البنوك المركزية ينبغي أن تتفاعل بقوة أكبر في ظروف معينة. ومن المحتمل أن تكون الظروف المبدئية مهمة: فغض الطرف عن صدمة مؤقتة قد يتسبب في مشكلات إذا ما كان التضخم مرتفعا بالفعل، لذلك من المرجح أن تؤدي الصدمات الإضافية إلى زعزعة استقرار توقعات الأسعار. وقد يتعين على البنوك المركزية أيضا أن تكون أكثر صرامة في استجابات السياسات في اقتصاد قوي يسهل على المنتجين فيه نقل أثر التكاليف المتزايدة ويقل فيه استعداد العمال لقبول انخفاض الأجور الحقيقية. وقد يتعين على البنك المركزي أيضا أن يكون رد فعله أكبر إذا ما كانت الصدمات واسعة النطاق وليست مركزة في قطاعات محددة.
وبشأن مخاطر الاستمرارية فإن الدروس المتعلقة بمنحنى فيليبس ووصفات السياسات التي استندت إلى كونه مسطحا يمكن تطبيقها حتى في بيئة ما قبل الجائحة التي كانت تتسم عادة بانخفاض أسعار الفائدة والتضخم وتنحسر فيها مشكلات العرض. ولكن هناك أيضا احتمال حدوث تضخم أطول أمدا بكثير يؤدي إلى زعزعة استقرار التوقعات، وحدوث انقطاعات أطول أمدا في سلاسل الإمداد العالمية والتجارة المفتوحة.
ويتمثل أحد المخاطر الرئيسة في أن التضخم المرتفع يؤدي إلى توقعات تضخمية منفلتة عن ركيزتها المستهدفة. وهذا من شأنه تعقيد المفاضلات بين السياسات النقدية، لأن صدمات انخفاض أسعار العملات وصدمات العرض ستكون لها آثار تضخمية أطول أمدا بكثير. ومن شأن زيادة رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم أن تؤدي إلى زيادة انكماش الناتج. وقد ساعد التشديد الكبير في البداية من جانب عديد من البنوك المركزية خلال العام الماضي على التخفيف من مخاطر انفلات التوقعات التضخمية عن ركيزتها المستهدفة. ومع ذلك، ينبغي للبنوك المركزية مواصلة توخي اليقظة.
ويتضاعف التحدي الذي تواجهه البنوك المركزية أيضا إذا زاد عمق صدمات العرض. وقد يحدث ذلك إذا قررت الدول الحد من مخاطر الانقطاعات في سلاسل الإمداد من خلال زيادة الحواجز التجارية. ومن شأن ذلك أن يعرض الدول لمزيد من تقلبات صدمات العرض، ما يؤدي بدوره إلى مواجهة مفاضلات أكثر صعوبة بين السياسات النقدية وزيادة صعوبة تحقيق الاستقرار الاقتصادي... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي