توقعات النمو العالمي .. تفاؤل وحذر

صدرت تطلعات صندوق النقد الدولي حول نمو الاقتصاد العالمي نهاية نيسان (أبريل) 2023. وجاءت هذه التطلعات استمرارا لتطلعاته السابقة التي تتصف بمزيج من التفاؤل والحذر حول الاقتصاد العالمي الذي تتجاذبه تطورات إيجابية وسلبية. وتعرض الاقتصاد العالمي لهزات عنيفة بسبب وباء كورونا، والحرب الأوكرانية، وتوترات العلاقات الدولية وما تمخض عنها من تصاعد الديون وإنقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء. ورغم نجاح العالم في تعدي هزة الوباء العنيفة على النمو الاقتصادي العالمي إلا أن آثار معالجة الأزمة والأزمات اللاحقة بطأت نمو معدلات نمو الاقتصاد العالمي وصعبت عودته إلى مستوياته التاريخية قبل الوباء.
خفض الصندوق في تطلعات نيسان (أبريل) 2023 آفاق نمو الاقتصاد العالمي العامين الحالي والمقبل بعشر نقطة مئوية عن تطلعاته السابقة في كانون الثاني (يناير) الماضي. وتوقع الصندوق في أحدث تطلعاته أن يصل معدل النمو الاقتصادي العالمي العام الحالي إلى 2.8 و3.0 في المائة العام المقبل. في الجانب الإيجابي، من المتوقع أن يتواصل تعافي سلاسل التوريد ويتراجع تأثيرها في توافر المنتجات وزيادة الأسعار، كما ستنخفض الضغوط على إمدادات وأسعار الغذاء والطاقة، ما سيحد من آثارها التضخمية. من جانب آخر، ستستمر سياسات التشدد النقدي في التخفيف من الضغوط التضخمية وخفض معدلاتها ودفعها إلى التراجع العام الحالي، ومزيد من التراجع العام المقبل. نتيجة لذلك ستتواصل السياسات النقدية التقييدية لبعض الوقت حتى تعود معدلات التضخم إلى النسب المستهدفة. من المرجح أن يتراجع معدل التضخم العالمي من مستوياته المرتفعة العام الماضي البالغة 8.7 في المائة، إلى 7.0 في المائة هذا العام، و4.9 في المائة العام المقبل.
تعزز آسيا مع مرور الوقت مكانتها كأهم قاطرة لنمو الاقتصاد العالمي، حيث ستكون أهم مصدر للنمو العالمي هذا العام مساهمة بنحو ثلثي النمو الاقصادي العالمي. وتشهد الصين هذا العام عودة قوية للطلب المحلي بسبب التحول في سياسات التصدي للجائحة، وستقف وحدها خلف ما يقارب ثلث النمو الاقتصادي العالمي. في المقابل، فإن تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي العامين الحالي والمقبل تعود -في الغالب- إلى ضحالة معدلات نمو الدول المتقدمة، خصوصا الأوروبية.
يرفع بعض التطورات السلبية التحديات أمام مسيرة الاقتصاد العالمي، ومن أبرز تلك التحديات ما يواجهه بعض المصارف من صعوبات تهدد استقرار النظام المالي العالمي. أما التحدي الأبرز الثاني، فهو تعمق معدلات التضخم فوق ما كان متصورا من قبل. ففي القطاع المصرفي العالمي، خصوصا الأمريكي، أثار انهيار ومصاعب عدد من المصارف القلق من انتشارها وتأثيراتها السلبية في الاقتصاد العالمي. وبعث النجاح -حتى الآن- في السيطرة على تبعاتها السلبية، الأمل في الحد من امتداداتها. وما زالت أساسيات القطاعات المصرفية بوجه عام جيدة بعد الإصلاحات التي حدثت بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، لكن الارتفاعات المتسارعة في أسعار الفائدة وسوء تقدير بعض إدارات المصارف لنتائجها، أوقعا عددا منها في مآزق مالية. أما بالنسبة إلى معدلات التضخم، فيبدو أنها أعمق مما كان متصورا من قبل، فجزء كبير من انخفاض معدلات التضخم العالمي الحالي يعود إلى تراجع أسعار الطاقة والغذاء. وفي ضوء تباطؤ تراجع معدلات التضخم الأساسي يتحتم على البنوك المركزية العالمية الاستمرار في سياسات التشدد النقدي لفترة أطول مما كان متصورا وربما حتى 2025، ما يحد من عودة النمو إلى معدلات قريبة من مستوياته التاريخية في وقت قريب.
يستشرف أن يضغط تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي على أسعار المواد الأولية. وتشير توقعات الصندوق إلى تراجع محتمل لأسعار النفط بنحو 7.9 في المائة هذا العام وصعود محدود العام المقبل بنسبة 1.3 في المائة. واتخذت الدول المصدرة للنفط تدابير وقائية للحد من تراجع الأسعار في اجتماعات منظمة "أوبك" السابقة، ما جعل الأسعار عند مستويات مقبولة.
من جانب آخر، "قد" تلجأ الدول المصدرة إلى مزيد من خفض الإمدادات النفطية لو تعرضت الأسعار لمزيد من الضغوط. ويعيب توقعات أسعار النفط المستقبلية ارتفاع حالة عدم اليقين حولها، نظرا إلى صعوبة توقع التطورات والهزات السياسية الدولية التي تؤثر بشكل استثنائي في إمدادات النفط.

المزيد من الرأي