تراجع الطلب العقاري يكبح الأسعار

أصدرت الهيئة العامة للإحصاء نشرة الرقم القياسي لأسعار العقارات للربع الأول 2023. تغطي النشرة تطورات أسعار المنتجات العقارية من خلال قياس قيم وتغيرات مؤشرات عامة وقطاعية تغطي المملكة ومناطقها خلال فترة ثلاثة أشهر. يتشكل الرقم القياسي العام لأسعار العقارات من مؤشرات للقطاعات العقارية ومكوناتها السكنية والتجارية والزراعية. تمثل العقارات السكنية 65 في المائة من أهمية المؤشر العقاري العام، بينما يصل نصيب العقارات التجارية والزراعية إلى 31، و4 في المائة من المؤشر العام على التوالي.
تفيد نشرة الرقم القياسي لأسعار العقارات للربع الأول 2023 بحدوث انخفاض ربعي محدود بعد خمسة تحسنات ربعية متوالية. فقد تراجعت أسعار العقارات خلال الربع الأول 2023 بنسبة 0.1 في المائة مقارنة بمستوياتها العامة في الربع الرابع 2022. سجلت منطقة القصيم أقوى التراجعات الربعية بنسبة 1.4 في المائة، تلتها منطقة نجران 0.4 في المائة، لكن جل التأثير السلبي جاء من تراجع أسعار عقارات منطقتي الرياض ومكة المكرمة بنسبتي 0.2 و0.3 في المائة على التوالي، نظرا إلى أهميتهما النسبيتين المرتفعتين بالنسبة إلى المؤشر العام للمملكة. وقف تراجع أسعار العقارات السكنية على مستوى المملكة بنسبة 0.2 في المائة خلف معظم الانخفاض الربعي للفترة. وتركز تراجع أسعار العقارات في الأراضي السكنية التي انخفضت أسعارها 0.2 في المائة، كما شهدت أسعار الفلل والعمائر والشقق تراجعات بنسب 2.0 و0.9 و0.1 في المائة على التوالي. أما أسعار العقارات التجارية، فقد ظلت شبه ثابتة. من جهة أخرى، تراجعت أسعار العقارات الزراعية 0.1 في المائة، لكن تأثيرها محدود في المؤشر العقاري العام، نظرا إلى انخفاض أهميتها النسبية.
ارتفع مؤشر أسعار العقارات العام في الربع الأول 2023 بنسبة 1.0 في المائة على أساس سنوي، أي مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي. وتراجع التحسن السنوي للفترة عن الفترة السابقة التي شهدت زيادة مقدارها 1.6 في المائة، ما قد يشير إلى فتور في التبادلات العقارية. سجلت منطقة الرياض خلال الربع الأول 2023 أقوى الزيادات السنوية بنسبة 3.0 في المائة، تلتها منطقة جيزان 2.2 في المائة، بينما شهدت منطقة القصيم أقوى التراجعات السنوية بنسبة 2.3 في المائة. وقف خلف الارتفاع السنوي العام للمؤشر العقاري خلال الفترة نمو أسعار العقارات السكنية السنوية بنسبة 1.6 في المائة. ولولا النمو الباهت لأسعار العقارات التجارية الذي لم يتجاوز 0.1 في المائة، وتراجع أسعار العقارات والزراعية 0.4 في المائة خلال الفترة، لتحسن المؤشر العقاري العام على أساس سنوي بنسبة أعلى. جاء ارتفاع مؤشر العقارات السكنية نتيجة لارتفاع أسعار الأراضي والشقق السكنية بنسبتي 1.6 و2.1 في المائة على التوالي، بينما انخفضت أسعار الفلل والعماير السكنية بنسبتي 0.3 و0.9 في المائة على التوالي خلال الفترة.
تدعم بيانات وزارة العدل عن إجماليات قيم الصفقات العقارية في المملكة فرضية تراجع الطلب خلال الربع الأول 2023 مقارنة بالربع السابق. وتعذر الحصول على بيانات إجمالي قيم الصفقات العقارية في المملكة للربع الأول الميلادي 2023 خلال إعداد المقالة، لكن توافرت بيانات مقاربة للربع السنوي الهجري الثالث من 1444هـ التي تفيد -على الرغم من أنها غير نهائية- بحدوث تراجع قوي في إجمالي قيم الصفقات العقارية في المملكة خلال الفترة. ويتركز التراجع بدرجة واضحة في قيم الصفقات العقارية السكنية، ما يؤكد ما تفيده الأسواق العقارية من تراجع قوي في التبادلات العقارية خلال الأشهر الأخيرة.
نما الطلب على العقارات على الأمد الطويل خلال الأعوام القليلة الماضية، ما دعم صعود الأسعار، لكن شهد الأمد القصير خلال الربع الأول من 2023 تراجعا قويا، أسهم في كبح موجة الارتفاعات طويلة الأمد. وظهرت خلال الأشهر القليلة الماضية بعض المثبطات للطلب العقاري، لعل من أبرزها الصعود القوي للأسعار خلال الأعوام القليلة الماضية، الذي يبدو أنه فاق قبول أعداد متزايدة من طالبي العقارات. ونظرا إلى صعوبة استجابة عارضي العقارات لتراجع الطلب والميل إلى الانتظار حتى تحسن الطلب، فمن المرجح أن تشهد الفترات المقبلة فتورا في التبادلات العقارية وفي أسعار العقارات. إضافة إلى ذلك، أسهم تصاعد معدلات الفائدة في الحد من الطلب على العقارات، والسكنية منها بوجه خاص. وظهر هذا واضحا بالتراجع الحاد في قيم صفقات العقارات السكنية مقارنة بـإجمالي قيم الصفقات التجارية عبر المملكة.
وأدت الزيادات المتسارعة لمعدلات الفائدة وتزامنها مع ارتفاع الأسعار، إلى رفع تكاليف تمويل العقارات، وتجاوزت أقساط الرهن العقاري قدرات شرائح متزايدة من السكان. ويتأثر الطلب على العقارات السكنية بتغيرات الفائدة بدرجة أقوى من تأثر الطلب على العقارات التجارية، حيث يميل التجار إلى إضافة تكاليف الرهن العقاري على المستهلكين في العقارات التجارية، بينما يدفع راغبو السكن التكاليف الإضافية من صافي دخولهم، كما يبدو اعتماد طالبي العقارات السكنية على الائتمان بشكل أكبر من مشتري العقارات التجارية. من جانب آخر، فإن ارتفاع تكاليف تمويل العقارات وأسعارها يدفع أعدادا متزايدة من طالبي السكن إلى تأخير قرارات الشراء حتى تهدأ موجة الارتفاعات وتنخفض تكاليف الائتمان، أو انتظار الحصول على بعض المنتجات السكانية في المشاريع العقارية المدعومة.

المزيد من الرأي