المنظمون .. من يراقب المراقبين «2 من 2»

اللافت للنظر أن القائمين على التنظيم المالي أنفسهم خرجوا للقتال علنا. فقد طعن سام وودز نائب محافظ بنك إنجلترا المسؤول عن الإشراف المصرفي، في الفرضية التي بنيت عليها الحجة لمصلحة هذه السلطة. قال وودز، "قد يتصور بعض الناس أن مثل هذه السلطة من شأنها أن تعزز القدرة التنافسية. وأنا أرى أنها بمرور الوقت ستفعل العكس تماما، من خلال تقويض مصداقيتنا الدولية وإنشاء نظام حيث تعبث الرياح السياسية بقوة أكبر بالتنظيم المالي ـ فتصبح الضوابط التنظيمية أضعف في ظل بعض الحكومات، وأكثر صرامة في ظل حكومات أخرى".
كلمات قوية رددها أيضا رئيس هيئة تنظيمية رئيسة أخرى في لندن، هيئة السلوك المالي. قال ريتشارد لويد، رئيس الهيئة المؤقت، لأعضاء البرلمان إن الاقتراح كان "مصدرا لقلقنا الشديد".
تدعم وجهة نظر وودز بشأن القدرة التنافسية في لندن دراسات استقصائية أجرتها شركة الاستشارات Z/Yen خصوصا، التي تحاول قياس جاذبية مراكز مالية مختلفة. يقول المستجيبون عادة إنهم عند اختيار موقعهم يبحثون عن اليقين التنظيمي، وليس المعايير المنخفضة. إنهم يريدون أن يتأكدوا من تلقيهم معاملة عادلة، مع حد أدنى من التدخل السياسي وعدم إعطاء الأولوية للشركات المحلية، ويعرفوا أن نظراءهم ممولون ومنظمون بشكل جيد. وهذا أمر منطقي. ذلك أن الضوابط التنظيمية الضعيفة ليست ميزة تنافسية.
في الشركات المالية، كان الرأي حول السلطة الجديدة المقترحة مختلطا. فبعض الشركات، خاصة في صناعة التأمين التي تعتقد أن بنك إنجلترا كان مقيدا بشكل غير ضروري في تفسيره معايير القدرة على الوفاء بالديون، قد ترى مزايا محتملة. لكن شركات أخرى أشارت إلى أن السلطة التي تصوغها حكومة "تلغي الضوابط التنظيمية" يمكن استخدامها بسهولة في الاتجاه المعاكس من جانب وزير مالية يحمل أجندة مختلفة. إذا جرى تحديد هذه السلطة بإحكام، بهدف إبقاء الساسة على مسافة، فلن تتأتى فائدة تذكر من ذلك. وإذا كان من الممكن استخدامها بسهولة، فمن الممكن أيضا إساءة استخدامها بالقدر ذاته من السهولة.
لا يخلو الأمر من بعض الحجة لمصلحة سلطة تتدخل في التنظيم إذا كان الأمن الوطني ـ حيث تفتقر الهيئات التنظيمية إلى المهارات أو المعلومات ذات الصلة ـ هو القضية. لكن هذا يشير إلى تدخل محدد للغاية، وليس سلطة "استدعاء" محددة عموما وتتعلق بكل قواعد الهيئة التنظيمية.
راقبت الهيئات التنظيمية الدولية الحوار الدائر في لندن بقلق شديد. فإذا تحولت المملكة المتحدة التي ينظر إليها منذ فترة طويلة على أنها معقل الاستقلال التنظيمي، ومركز مالي عالمي رئيس، في اتجاه سياسي بعينه، فقد تشجع بهذا أنظمة أخرى على فرض قبضة أكثر صرامة على بنوكها المركزية وهيئاتها التنظيمية. وقد يؤدي هذا إلى تفتت خطير.
في ظل معارضة صريحة للخطة من جانب هيئاتها التنظيمية، وجدت الحكومة نفسها في حفرة. وبحكمة، اتبعت الحكومة في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) القانون الأول للحفر وتوقفت عنه. في الوقت الحالي، لن تشرع الحكومة في التنفيذ، وقد نفترض أن الفكرة ماتت إلى أن تأتي الانتخابات المقبلة. وعلى هذا، يجب أن نبحث عن فوائد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مكان آخر.
الواقع أن تعبير Cave quid volunt باللاتينية "كن حذرا ماذا تتمنى" ليس معروفا كتعبير quis custodiet ipsos custodes "من يراقب المراقبين"، وليس له مصدر أدبي. لكن عبارة "كن حذرا ماذا تتمنى" في الأغلب ما تكون نصيحة جيدة، للشركات المالية والحكومات على حد سواء.
خاص بـ«الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي