قصة أسوأ أزمة اقتصادية في سريلانكا «2 من 2»

أثناء حكم ماهيندا لسريلانكا، عندما كانت تحمي آل راجاباكسا من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب في الأمم المتحدة، فازت الصين بعقود كبرى لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية في سريلانكا وأصبحت المقرض الرئيس لها. تراكمت الديون المستحقة للصين، التي تكبدتها سريلانكا إلى حد كبير لبناء معالم تذكارية لأسرة راجاباكسا في موطنها في منطقة هامبانتوتا.
تشمل الأمثلة المطار "الأكثر فراغا في العالم"، وملعب الكريكيت الذي يضم عددا من المقاعد أكثر من عدد سكان عاصمة المنطقة، وميناء بحريا بلغت تكلفته 1.4 مليار دولار، ظل خاملا إلى حد كبير إلى أن تنازلت عنه سريلانكا للصين في 2017 بموجب عقد إيجار مدته 99 عاما. أكثر المشاريع التي تدعمها الصين إسرافا هو مدينة "بورت سيتي" التي يجري بناؤها بتكلفة 13 مليار دولار على أرض مستصلحة من البحر بالقرب من وسط العاصمة كولومبو.
تتلخص طريقة العمل التي تتبعها الصين في إبرام الصفقات مع رجال أقوياء واستغلال نقاط الضعف التي تعيب دولهم لكسب موطئ قدم استراتيجي. أشير إلى أكبر أهداف الصين في سريلانكا في 2014، عندما قامت غواصتان صينيتان بزيارات منفصلة غير معلنة إلى كولومبو، حيث رستا في محطة حاويات بنيت حديثا وتملكها إلى حد كبير شركات حكومية صينية.
بهذا، اكتسبت الصين قدرا كبيرا من النفوذ على بلد يقع بالقرب من ممرات الشحن الأكثر أهمية في العالم، وأصبحت سريلانكا غارقة على نحو متزايد في الديون، بما في ذلك "الديون المستترة" المستحقة للصين من القروض التي كان الإفصاح عنها لعامة الناس محظورا بموجب شروطها. لكن الغطرسة منعت آل راجاباكسا من إدراك الأزمة التي تلوح في الأفق. على العكس من ذلك، استن آل راجاباكسا خفضا ضريبيا شاملا في 2019 تسبب في محو ثلث إيرادات سريلانكا الضريبية.
ثم اندلعت الجائحة، التي سحقت السياحة وصناعة الملابس ـ وهما المصدران الرئيسان للعملة الأجنبية في سريلانكا. ثم في وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، ساعدت الحرب الدائرة في أوكرانيا، من خلال تحفيز ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء الدولية إلى عنان السماء، على استنزاف احتياطيات سريلانكا من النقد الأجنبي، ما أدى إلى عجز في الوقود والغذاء والدواء والكهرباء. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى كثيرين من أهل سريلانكا، الذين خرجوا إلى الشوارع بأعداد ضخمة لإعلان احتجاجهم.
في التاسع من أيار (مايو)، استقال ماهيندا على مضض من منصبه كرئيس للوزراء، في محاولة لاسترضاء المحتجين. لكن الاحتجاجات استمرت بلا هوادة، وبلغت ذروتها باقتحام المتظاهرين القصر الرئاسي الساحلي. وفر جوتابايا قبل دقائق من إعلان قراره بالاستقالة.
داخل سريلانكا، أصبحت صور المتظاهرين يسترخون على فراش الرئيس ويطبخون في الفناء الخلفي لمنزله رمزا لسلطة الشعب. لكنها يجب أن تخدم أيضا كتحذير للساسة في أماكن أخرى من العالم، من آسيا إلى أمريكا اللاتينية. عندما تغيب المساءلة، ويفضي هذا في الأغلب إلى الكارثة. وهذا كفيل حتى بإسقاط أشد الحكومات رسوخا ـ وبسرعة.
لا يخلو الأمر أيضا من دروس لدول أخرى مثقلة بالديون. فإن لم تتخذ إجراءات عاجلة لجعل ديونها مستدامة، قد تجتاحها الأزمات بسرعة. أما عن سريلانكا، فسيكون لزاما على قادتها المقبلين أن يعالجوا نقص الضروريات الأساسية، وإعادة بناء اقتصاد منهار، وإعادة إرساء سيادة القانون، ومحاسبة أولئك الذين تسببوا في إحداث الكارثة الحالية. لكن في بلد حيث السياسة رياضة دموية، ينبغي للمرء ألا يستخف بجسامة التحدي المتمثل في التغلب على إرث آل راجاباكسا المهلك.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي