التكنولوجيا المبتكرة وإزاحة العاملين من الوظائف «3 من 3»

يمكن أن تؤدي التكنولوجيا الجديدة إلى زيادة الطلب على العاملين أصحاب المهارات الجديدة، وبالتالي فإن الأتمتة الحاسوبية لا تعني بالضرورة حدوث بطالة وشيكة لأعداد ضخمة من العاملين بسبب التكنولوجيا، إذ يمكن أيضا أن تؤدي التكنولوجيا الجديدة إلى زيادة الطلب على العاملين أصحاب المهارات الجديدة. ولقياس الأثر الفعلي لتكنولوجيا الكمبيوتر في الوظائف ككل، يتعين أن نتناول مجموعات المهن الرئيسة لرصد صافي الأثر عند تحول الوظائف إلى مهن ذات صلة.
ويوضح معدل النمو السنوي للوظائف في خمس من مجموعات المهن الرئيسة، مذكورة بترتيب تنازلي لاستخدام الكمبيوتر، وقد استخدم أكثر من نصف العاملين في كل من المجموعات الثلاث الأولى أجهزة الكمبيوتر في العمل حسب الوضع في عام 2001. وفي كل المجموعات الثلاث كثيفة الاستخدام للكمبيوتر، نمت الوظائف بوتيرة أسرع من القوة العاملة ككل. وبعبارة أخرى، تسببت أجهزة الكمبيوتر في فقدان وظائف في بعض المهن المحددة، إلا أن صافي الأثر في هذه المجموعات المهنية الواسعة لم يكن البطالة الناشئة عن التكنولوجيا. وكان قطاع الصناعات التحويلية هو الوحيد الذي شهد خسارة صافية في الوظائف، إذ فقد خمسة ملايين وظيفة على مدى ثلاثة عقود. ومع ذلك فإن هذه الخسارة قد وازنها نمو الوظائف في بقية الاقتصاد.
وإجمالا، خلال العقود الثلاثة التي تلت قدوم الكمبيوتر الشخصي، لم يحدث أن حلت التكنولوجيا محل العاملين ككل. إلا أن ذلك قد يكون على وشك التغير. إذ يقول بعض الأشخاص مثل فيرنور فينج كاتب روايات الخيال العلمي وهو أيضا أستاذ متقاعد للرياضيات وأحد علماء الكمبيوتر: إننا نقترب من الأحادية التكنولوجية، فبعد عقد أو نحو ذلك ستصبح أجهزة الكمبيوتر أذكى من الإنسان. وعندما يحدث ذلك، فإن التكنولوجيا، على حد قولهم، ستحل فعلا محل العامل الإنساني على نطاق واسع. وربما كانوا على حق، إلا أن عددا كبيرا من علماء الكمبيوتر لا يزالون في شك من ذلك.
لكن الذي لا شك فيه هو أن التكنولوجيا الجديدة ستتولى القيام بعدد أكبر من المهام التي يؤديها الإنسان، وإن كان كثير من الخصائص الإنسانية ستظل مهمة في التجارة العالمية. فرغم أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها اختيار حافظات الأسهم، فإن المستشارين الماليين يوفرون الطمأنينة عندما تهبط الأسواق. ورغم أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها أن توصي بمنتج معين لشرائه، فإن الشخص البائع يفهم احتياجات المستهلك ويوحي بالثقة بأنه ستتم معالجة أي طوارئ غير منظورة بنزاهة. ورغم أن أجهزة الكمبيوتر يمكن أن تقدم توقعات طبية دقيقة، فإنها تفتقر حتى الآن إلى اللمسة الإنسانية لتوجيه المريض في الخيارات الطبية العصيبة. ولا يتوقع علماء الكمبيوتر أن تكتسب أجهزة الكمبيوتر تلك القدرات في أقرب وقت.
ولذلك ففي حين قد تصبح البطالة الناجمة عن التكنولوجيا مشكلة كبيرة في المستقبل، فإنها لا تمثل مشكلة كبيرة اليوم، ولا يرجح أن تصبح مشكلة في المستقبل القريب. وينبغي ألا يركز صانعو السياسات على الاستجابة لتهديد لا هو محدد بشكل جيد ولا مؤكد الحدوث، وهو البطالة التي ستنجم مستقبلا عن التكنولوجيا، عندما تكون تكنولوجيا المعلومات سببا في بعض المشكلات الحقيقية للغاية لكل من الموظفين وأرباب العمل في هذه اللحظة.
ليس مديرو سلاسل الإمدادات هم التنفيذيون الوحيدون الذين يقولون إنهم يواجهون صعوبات في العثور على العاملين الذين لديهم المهارات اللازمة لاستخدام التكنولوجيا الجديدة. وتجري شركة مانباور جروب Manpower Group الكائنة في الولايات المتحدة مسحا سنويا يشمل 38 ألف مدير في مختلف دول العالم. وفي العام الماضي، أفاد 35 في المائة من المديرين بأنهم يجدون صعوبة في تعيين عاملين لديهم المهارات المطلوبة. وذكرت مسوح أخرى أرقاما مماثلة.
إلا أن بعض الاقتصاديين يتشككون بشدة في شكاوى أرباب العمل من وجود نقص في العمالة الموهوبة. ويرى البعض، مثل بيتر كابيللي، أن عدد العاملين المتعلمين يتجاوز العدد اللازم لأداء وظائف اليوم. إلا أن المهارات الغائبة متصلة في معظم الأحوال بالتكنولوجيا ويتم تعلمها من خلال الخبرة الوظيفية وليس في المدرسة، ومن ثم يمكن أن يواجه أرباب العمل نقصا في المهارات رغم ارتفاع مستويات التعليم.
ويرى اقتصاديون آخرون أنه يستبعد أن يكون هناك نقص في المهارات لأن متوسط الأجور لا يرتفع. ويقول جاري بيرتليس من معهد بروكينجز: إنه "ما لم يكن المديرون قد نسوا كل ما تعلموه في مادة مبادئ الاقتصاد في الجامعة Econ 101، فإنه ينبغي أن يعترفوا بأن إحدى طرق ملء الشواغر هو أن يعرضوا على طلاب الوظيفة المؤهلين سببا دامغا لقبول الوظيفة" بعرض أجر أو مزايا أفضل. ونظرا لأن الأجر الوسيط لا يزيد، ينتهي بيرتليس إلى أنه لا يوجد نقص في العمالة الماهرة.
وبيرتليس على حق حين يقول: "إن الأجور تزيد للعاملين الذين يملكون المهارات اللازمة"، إلا أنه يفترض أن العاملين، في المستوى الوسيط، يمتلكون بالفعل المهارات التي يريدها أرباب العمل. ويبدو ذلك غير مرجح إذا كانت لديهم صعوبة في تعلم المهارات اللازمة للتعامل مع أحدث تكنولوجيا. وفي تلك الحالة، سيتعلم بعض العاملين ويتمتعون بتزايد الأجور، إلا أن آخرين، بمن فيهم العامل الوسيط، سيرون أن مهاراتهم قد أصبحت غير مواكبة للعصر ويحصلون على أجور راكدة أو حتى أقل.

المزيد من الرأي