الهيدروجين الأخضر والطاقة المستدامة

تسعى "نيوم" إلى تطوير مجتمع خال من الكربون، الأمر الذي يشكل رمزا لمعيشة استثنائية ومستدامة وهي "الرؤية" التي يطمح إليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من خلال مشروع عملاق عبر دخولها في شراكة مع "إير بروداكتس" و"أكوا باور". حيث ستصبح لاعبا أساسيا في سوق الهيدروجين العالمية من خلال بناء منشأة بقيمة خمسة مليارات دولار لإنتاج الهيدروجين بطريقة صديقة للبيئة، لتوفير حلول مستدامة لقطاع النقل العالمي، ولمواجهة تحديات التغير المناخي ضمن حلول عملية لتخفيض الانبعاثات الكربونية.
والهيدروجين هو أحد الحلول الممكنة للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي نستخدمه في تشغيل السيارات والحافلات. ورغم أن المركبات التي تستخدم الهيدروجين لإدارة محركاتها موجودة بالفعل منذ أعوام، فإن هذه التقنية لا تزال تكافح من أجل جذب انتباه واهتمام المستهلكين. ولكن هذا الأمر قد يتغير في المستقبل القريب بعد التزام الاتحاد الأوروبي ودول أخرى بتوسيع الاعتماد على الهيدروجين الأخضر.
ولقد ذكرنا على وجه التحديد الهيدروجين الأخضر، لأن هناك طرقا متعددة لإنتاج الهيدروجين وليست جميعها تخدم هدف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. يعرف الهيدروجين الأكثر شيوعا اليوم باسم الهيدروجين الرمادي، وهو يشتق من الوقود الأحفوري عن طريق عملية تسمى إصلاح بخار الميثان، يتم من خلالها الجمع بين البخار فائق السخونة والميثان الموجود في الغاز الطبيعي ومحفز، ومن ثم يتفاعل بخار الماء والميثان وينتج عن ذلك غاز الهيدروجين وغاز أول أكسيد الكربون وقليل من غاز ثاني أكسيد الكربون، بعد ذلك تأتي الخطوة الثانية التي تسمى تفاعل انزياح غاز الماء التي يستخدم فيها بخار أول أكسيد الكربون ومحفز آخر لاستخراج مزيد من غاز الهيدروجين وينتج عن هذا التفاعل غاز ثاني أكسيد الكربون كعادم.
وتبلغ نسبة الهيدروجين الرمادي 95 في المائة من الهيدروجين المنتج في جميع أنحاء العالم. ومن ثم فالمشكلة هنا واضحة جدا، لأنه بالتأكيد يمكن استخدام ذلك الهيدروجين في تشغيل مركبات تعمل بخلايا الوقود ولا تخرج عادما سوى الماء، لكن إذا كان ذلك الهيدروجين قد تم تصنيعه من خلال عملية إصلاح بخار الميثان، يكون الأمر بمنزلة نقل مخرج انبعاثات الكربون من أنابيب العادم بالمركبات إلى مداخن أحد المصانع في مكان ما.
وهناك طريقة تجعل العملية أكثر صداقة للبيئة، لأنها تتضمن خطوة التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه أو استخدامه في تطبيقات صناعية أخرى، ويسمى الهيدروجين المصنوع بهذه الطريقة الهيدروجين الأزرق. لكن ما زال ما نصبو إليه بعيدا، فنحن نصبو إلى عمليات صناعية لا نشعر معها بالذنب، نصبو إلى عمليات صناعية خضراء.
الهيدروجين هو أكثر العناصر وفرة في الكون، فهو عنصر موجود في الماء المتوافر بكثرة على كوكب الأرض. ويمكن استخلاص الهيدروجين من الماء عن طريق الكهرباء في عملية تسمى التحليل الكهربائي. ويمكن أن يؤدي استخدام الكهرباء المنتجة من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية إلى خفض كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها العملية برمتها بشكل كبير. والهيدروجين الذي يصنع بهذه الطريقة هو الهيدروجين الأخضر. لكن هذه الطريقة تنطوي على مشكلة وهي أن تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر تفوق بكثير تكلفة إنتاج الهيدروجين الرمادي أو الأزرق، ففي حين تبلغ تكلفة الكيلوجرام الواحد من الهيدروجين الأخضر اليوم ستة دولارات، تبلغ تكلفة الكيلوجرام الواحد من الهيدروجين الرمادي 1.6 دولار.
لا يزال الاتحاد الأوروبي ينظر إلى الغاز الطبيعي بعده أداة مهمة للوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050. ومن خلال تحسين عمليات التحليل الكهربائي وتقليل تكلفة الطاقة المتجددة، يمكن للهيدروجين الأخضر أن ينافس نظيره الرمادي في أقرب وقت بحلول عام 2030. بعد ذلك يمكن استخدام الهيدروجين الأخضر في وسائل النقل، خاصة في المركبات الكبيرة مثل الحافلات والشاحنات والسفن، حيث يكون تأثير عيوب البطاريات الحالية أقل ما يمكن. لكن الهيدروجين يعد بما يتجاوز تشغيل الشاحنات أو السفن، وقد وضع الاتحاد الأوروبي خريطة طريق تفصيلية تضم الوسائل التي يمكن أن يساعد من خلالها الهيدروجين الأخضر على تحقيق أهداف الانبعاثات.
يمكن استخدام الهيدروجين الأخضر لإزالة الكربون من شبكة الغاز وتوصيل الحرارة والطاقة إلى جميع أنحاء العالم. ولا تتطلب إضافة الهيدروجين الأخضر إلى الشبكة تعديلات ضخمة، ويمكن لمنتجي الطاقة بسهولة التحول إلى استخدام الهيدروجين النقي. ويمكن أن يستخدم الهيدروجين كوسيلة لإنتاج الطاقة في مكان ما ثم يتم نقلها للاستخدام أو التخزين في مكان آخر، ما يحل مشكلة كبيرة من المشكلات المحيطة بمصادر الطاقة المتجددة. وأخيرا يمكن استخدام الهيدروجين في العمليات الصناعية لتوليد الحرارة أو استخدامه بديلا للفحم في أفران الصهر المستخدمة في إنتاج الصلب. وفي الوقت الحالي يعد إنتاج الصلب مسؤولا عما يصل إلى 9 في المائة من انبعاثات الكربون العالمية. وقد كانت كل هذه المزايا مغرية لدرجة جعلت الاتحاد الأوروبي يقترح استثمار مليارات الدولارات في الهيدروجين الأخضر.
وتعمل المملكة على أن تصبح لاعبا أساسيا في سوق الهيدروجين العالمية من خلال بناء هذه المنشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لتوفير حلول مستدامة لقطاع النقل العالمي. وبفضل وسائل النقل المعاد تصورها والشبكة المعدلة باستخدام الهيدروجين المنتج من مصادر نظيفة، تستطيع "نيوم" أن تقدم نموذجا يحتذي به العالم إذا كنا نأمل في جعل الوقود الأحفوري ذكرى من الماضي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي