Author

مجموعة العشرين والاقتصاد الدائري للكربون

|
تضم مجموعة العشرين رؤساء كبار شركات الوقود الأحفوري في العالم، وحتى تستطيع هذه الدول تحقيق الاقتصاد الدائري للكربون فسيكون لزاما تفعيل استراتيجياته الأربع، وهي الحد من انبعاثات الكربون وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها والتخلص منها.
لا شك أن تغير المناخ يمثل مشكلة كبيرة، وأن هناك عديدا من الأنشطة البشرية، التي تنتج غازات الدفيئة مثل تجريف الأراضي الزراعية، والزراعة المكثفة، التي تستخدم فيها كميات ضخمة من المبيدات والأسمدة، وحرق الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم. ونحن الآن– أكثر من أي وقت مضى- بحاجة إلى إبطاء وعكس حركة ظاهرة الاحتباس الحراري والغازات المرتبطة بها مثل ثاني أكسيد الكربون، الذي نحتاج إلى الحد من انبعاثاته. وتدرك صناعة الفحم أنها تلعب دورا رئيسا في المشكلة، ومن ثم تريد أن تشارك في أي حل لمكافحة ظاهرة تغير المناخ. لهذا السبب تستثمر الصناعة مبالغ ضخمة في جهود احتجاز الكربون وتخزينه. والمقصود بهذه العملية التقنية هو التقاط ثاني أكسيد الكربون المنبعث من حرق الوقود الأحفوري وضغطه في سائل يتم نقله إلى مواقع التخزين، ثم تخزينه بأمان وبشكل دائم في أعماق الأرض. وهناك مئات من مشاريع احتجاز وتخزين الكربون العاملة في جميع أنحاء العالم، وسنتناول اليوم بعض الطرق الرئيسة المستخدمة في هذه التقنية.
أول هذه الطرق هي احتجاز الكربون قبل الاحتراق، حيث يتم الجمع بين الكربون الملتقط والأكسجين لإنتاج غاز يتكون من أول أكسيد الكربون والهيدروجين، ثم يضاف الماء إلى هذا الغاز، ما يؤدي إلى تفاعل يحول أول أكسيد الكربون إلى هيدروجين وثاني أكسيد كربون، وعندها يمكن احتجاز ثاني أكسيد الكربون بأمان، بينما يتم حرق الهيدروجين لتشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء، كما يمكن استخدامه لتغذية خلايا الوقود في السيارات.
وثاني طريقة هي احتجاز الكربون بعد الاحتراق، حيث يتم حرق الوقود الأحفوري كالمعتاد، ولكن قبل أن ينتقل غاز العادم إلى المدخنة يمر عبر عمود الامتصاص، الذي يمتلئ بمذيبات سائلة- تسمى الأمينات- تمتص ثاني أكسيد الكربون قبل أن يتمكن من دخول الغلاف الجوي، ثم يتم تمرير البخار شديد الحرارة إلى المدخنة، وعندها يتحرر ثاني أكسيد الكربون من الأمينات ويمكن التقاطه بأمان.
وآخر طريقة رئيسة لاحتجاز الكربون هي عملية تصنيع وقود الأكسجين، التي يتم فيها نزع الأكسجين عن النيتروجين في فاصل هواء قبل الاحتراق، ثم يتم حرق الأكسجين المتبقي- الذي يكون أنقى من الهواء الطبيعي الذي نتنفسه– باستخدام وقود أحفوري، ما يتسبب في توليد ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء. وبعدها يتم وضع هذا المزيج في توربينات لتوليد الكهرباء ثم يتم تبريد بخار الماء وتكثيفه وإزالته، وأخيرا التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون المتبقي بأمان، وهذه هي تقنيات احتجاز الكربون الثلاث الرئيسة قبل الاحتراق وبعد الاحتراق وأثناء عملية تصنيع وقود الأكسجين.
ويصنف العلماء ثاني أكسيد الكربون المحتجز بأنه غاز خامل، ما يعني أنه يكون مثل عديد من الغازات المستقرة جدا بطبيعتها. بعد التقاط ثاني أكسيد الكربون يتم ضغطه عند مستويات ضغط مرتفعة، ما يحوله إلى سائل ثم يتم نقل السائل إلى موقع تخزين مناسب. وإذا كان قريبا تستخدم في نقله الشاحنات، أما إذا كان بعيدا أو عند نقل كميات كبيرة منه فتستخدم خطوط الأنابيب. وفي الولايات المتحدة وحدها توجد خطوط أنابيب منذ أعوام تمتد لآلاف الكيلومترات تنقل بأمان ثاني أكسيد الكربون من أجل أنشطة الاستخراج المحسن للنفط.
والخطوة التالية هي تخزين ثاني أكسيد الكربون الملتقط بشكل آمن ودائم في الصخور العميقة تحت الأرض، وهي عملية تعرف باسم الاحتجاز الجيولوجي. ويتم اختيار مواقع التخزين بعناية بحيث تحتوي على كميات ضخمة من الصخور المسامية في أعماق الأرض. وهذه الصخور المسامية تشبه الإسفنج المليء بملايين الثقوب المجهرية، لذلك عندما نقوم بحقن ثاني أكسيد الكربون السائل في الصخور المسامية، فإنه ينتشر عبر الفجوات ويملأ هذه الثقوب. وفوق هذه الصخرة المسامية مباشرة توجد طبقة غير منفذة وغير مسامية- بمعنى أنها لا تحتوي على ثقوب صغيرة- تعمل بمنزلة غطاء لا يمكن لثاني أكسيد الكربون السائل اختراقه، ومن ثم لا يجد سبيلا للهروب. وهذه التقنية تحاكي عملية طبيعية تقوم بها الهيدروكربونات- مثل النفط والغاز الطبيعي- منذ ملايين الأعوام. وبمرور الوقت يمكن إذابة ثاني أكسيد الكربون في مياه مالحة غير صالحة للشرب أو إدخاله في تفاعل كيميائي مع الصخور المحيطة لإنتاج معادن كربونية ثابتة، وتجري محاولات أيضا لتخزين الكربون في الصخور المشبعة بالمياه المالحة وحقول النفط والغاز الناضبة وطبقات الفحم، بحيث يتم التقاط الكربون ونقله وتخزينه بأمان بعيدا عن الغلاف الجوي الحساس للأرض.
لكن العملية لا تنتهي عند هذا الحد، بل يوجد نظام مراقبة متطور لتتبع ثاني أكسيد الكربون المخزن. وتتم المراقبة على ثلاثة مستويات، تحت السطح، وفي التربة، وفي الجو المحيط بالموقع. وقد تم استخدام تقنيات الاحتجاز والنقل والتخزين بنجاح منذ أعوام عديدة، أما التحدي الآن فهو إنشاء نظام متكامل تماما يمكن تضمينه في محطات الطاقة الجديدة، وإضافته في المحطات القائمة. ولا شك أن استحداث هذا النظام سيحدث فرقا كبيرا في هذا المجال، وتعمل مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه بنجاح في جميع أنحاء العالم، وهي تشكل جزءا مهما من أي حل من حلول مكافحة ظاهرة تغير المناخ.
إنشرها