الاقتصاد الدائري والارتباط بالشركات

ينتشر اليوم الحديث عن الاستدامة في مختلف الأوساط، وينتشر معه وعي متزايد بالنموذج الخطي لاقتصادنا الحالي. ويستخدم مصطلح نموذج الاقتصاد الخطي في الوصف الشائع للاقتصاد كعملية استخراج ثم تصنيع ثم تخلص، حيث نأخذ الموارد الطبيعية من البيئة ثم نصنع منها منتجا وندفعه إلى المستخدمين النهائيين الذين يتخلصون منه بعد انتهاء عمره. ولم يكن هذا النموذج يمثل مشكلة، لكن مع نمو الاقتصاد في مختلف أنحاء كوكب الأرض، أصبحت المدخلات تبدو أكثر محدودية وأصبحت المخرجات ضارة بشكل متزايد بالنظم البيئية. وللوقوف على بعض التقدير لمدى عدم كفاءة هذا النموذج الخطي الكلي، قدر معهد روكي ماونتن عام 2000 أن تدفق المواد الطبيعية عالميا يبلغ 500 مليار طن سنويا لكن يتم استخدام 1 في المائة فقط من هذه المواد في تصنيع المنتجات المعمرة بينما نسبة 99 في المائة الباقية تتحول إلى نفايات بعد ستة أشهر فقط.
ومع استنفاد الموارد بشكل متزايد، يتحول التركيز الآن من نموذج اقتصادي قائم على معالجة كميات ضخمة من المواد والطاقة بطريقة خطية إلى نوع جديد من الاقتصاد الدائري الذي يحول التركيز إلى التنظيم الداخلي للعمليات التي يتم من خلالها استخدام الموارد. ويهدف نموذج الاقتصاد الدائري إلى تحسين الخدمة الإجمالية المقدمة بدلا من الإنتاجية الضخمة للمنتجات. ويدور الاقتصاد الدائري حول تحديد حلقات الاستهلاك وإغلاقها لإنشاء أنظمة ذاتية الاستدامة يرتبط فيها المنتجون والمستهلكون ارتباطا وثيقا بشكل يسمح بتحقيق حلقة التغذية الراجعة المستمرة. على سبيل المثال، يمكن تنظيم عملية إنتاج واستهلاك والتخلص من الغذاء حيث تكون جزءا من الدورة المغلقة نفسها. وللقيام بذلك تتم دراسة الصناعات على أنها بيئات صناعية لتحديد أماكن وكيفية تدفق الموارد والطاقة في هذه البيئات وأماكن فقدها والمواضع التي يمكن عندها ربط العمليات لتقليل تلك الخسائر.
في نظام الاقتصاد الدائري يتم تقليل مدخلات الموارد وانبعاثات النفايات وتسرب الطاقة عن طريق إبطاء وتضييق وإغلاق حلقات الطاقة والمواد. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التصميم طويل الأمد والإصلاح والصيانة وإعادة الاستخدام وإعادة التصنيع أو التجديد أو إعادة التدوير. وهذا نهج متجدد تتم فيه إعادة تخصيص أغراض الأشياء باستمرار لخدمة وظائف جديدة. ويعمل التحدي المتمثل في تحقيق شكل مستدام من التنمية على تحويل التركيز من المنتجات المستقلة أحادية الغرض إلى النظر بشكل متزايد في كيفية تطويرها من شكل إلى آخر خلال دورة حياتها الكاملة. وهذا تحول أساسي في النموذج من تصميم المنتجات المتحللة بطبيعتها إلى المنتجات المتجددة بطبيعتها بمرور الوقت.
ويتطلب تطوير اقتصاد دائري حقيقي وجود تنوع وترابط بين الأنظمة المختلفة. إن الأنظمة والعمليات المتشابهة جميعها تستهلك الموارد نفسها وتنتج المخرجات نفسها دون القدرة على إعادة تدويرها. ومن خلال ربط الأنظمة المختلفة بالطريقة الصحيحة فقط يمكننا تسخير التنوع القائم بينها لإيجاد علاقات صناعية متكاملة فيما بينها. يحول الاقتصاد الدائري التركيز من المواد إلى العلاقات التشابكية البينية. إن اقتصادنا الخطي الحالي هو نتاج التفكير التحليلي الذي يقسم كل شيء ويفصل بين كل شيء من أجل التركيز على أنشطة محددة وتحقيق وفورات الإنتاج الكبير، مثل أن نشيد المساكن جميعها في المناطق السكنية، والمصانع في المناطق الصناعية، ومرافق إنتاج الغذاء في المزارع، وهكذا.
في المقابل يدور الاقتصاد الدائري حول التكامل وذلك لتمكين حلقات التغذية الراجعة والعلاقات التشابكية. وكما يشير جونتور بولي فإن الأمر يتعلق "باستخدام الموارد المتاحة في الأنظمة المتتالية، حيث تصبح نفايات منتج ما مدخلات لتحقيق تدفقات نقدي جديدة".
في نموذج الاقتصاد الدائري تصبح المواد متعددة الوظائف، فبدلا من أن يخدم المبنى وظيفة السكنى فقط فإنه يصبح أيضا منتجا ومستهلكا للطاقة، ومنتجا ومستهلكا للأغذية، وقد يقدم خدمات الترفيه والاستجمام. ولا يعمل هذا التعدد في الوظائف على إغلاق الحلقات فحسب، بل يعمل أيضا على إنشاء أنظمة أكثر مرونة تتمتع بقدر أكبر من الاكتفاء الذاتي وبدرجات أقل من الاعتماد على أنظمة أخرى.
ولا يتعلق الاقتصاد الدائري بمنتج معين أو مادة بعينها، بل يتعلق بتغيير تخطيط الأنظمة بأكملها، ويتطلب إعادة التفكير في الأنظمة. وكما تشير مؤسسة إلين ماكارثر الخيرية، فإن الاقتصاد الدائري لا يتعلق بتغيير أحد المصانع لأحد المنتجات فحسب، بل يتعلق بتوجه عام يتبعه جميع الشركات المترابطة التي تشكل بنيتنا التحتية الصناعية والاقتصادية، ويتعلق بإعادة التفكير في نظم تشغيل هذه الشركات نفسها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي