تكلفة التقدم .. والتحديات التكنولوجية

لتكنولوجيات الجديدة، وخفضت المصروفات التي يتحملها المواطن من ماله الخاص بدرجة تزيد على أي بلد نام. إلا أن الأدوية الجديدة مرتفعة الثمن ضعت ضغوطا كبيرة على ذلك التقدم.
ففي 1993، اضطلعت كولومبيا بإصلاح نظام الرعاية الصحية لديها لضمان توفير الحماية المالية للسكان جميعهم وكفالة حصولهم بالتساوي على خدمات الرعاية الصحية. وزاد الإصلاح بدرجة كبيرة من مقدار المال العام الموجه للرعاية الصحية وحشد موارد القطاع الخاص، ما أدى إلى انتعاش المستشفيات وشركات التأمين الخاصة. وأدى تزايد مشاركة القطاع الخاص إلى إحداث تغييرات إيجابية، ما زاد الكفاءة وساعد على الأقل لبعض الوقت في احتواء التكاليف.
وكان الإصلاح ناجحا من وجوه كثيرة. ففي 1993، كانت نسبة الكولومبيين من شريحة الخمس الأفقر من السكان، الذين أفادوا أن خدمات الرعاية الصحية لم تكن متاحة لهم في حالة الأمراض الخطيرة تبلغ 30 في المائة. وبعد 20 عاما من ذلك، تراجعت هذه النسبة إلى 3 في المائة. واليوم يحصل أكثر من 20 مليون شخص، أي نصف عدد السكان، على تأمين صحي تدعمه الدولة كاملا. ويحصل كثير من فقراء المناطق الحضرية على الرعاية نفسها التي يحصل عليها ذوو الامتيازات الأكبر.
إلا أن هذا النجاح هش. فكثير من التغيرات الإيجابية أصبحت مهددة بسبب الضغوط التكنولوجية. ففي النصف الثاني من العقد الأخير، بدأ سداد ثمن الأدوية الجديدة غير المدرجة في حزمة المنافع التي تغطيها شركات التأمين من الأموال العامة. وسرعان ما فطنت الشركات الصيدلانية ومقدمو الخدمات والأطباء أن الدولة على استعداد لدفع جميع التكاليف تقريبا "بأي سعر تقريبا". وزادت مدفوعات الأدوية الجديدة وتزايدت المشكلات المالية، وتمت الديون مع مقدمي الخدمات بسرعة. وتدهورت ثقة الجمهور بالنظام.
والأسوأ من ذلك أن هذه التطورات انتقصت من جانب المساواة في الإصلاحات ففي 2000، صنفت منظمة الصحة العالمية نظام الرعاية الصحية الكولومبي في الترتيب الأول من حيث "عدالة المساهمة المالية". ففي كولومبيا يسهم الأفراد في النظام، كل حسب دخله ــ وتغطي الدولة الأقساط للفقراء بالكامل ــ ويحصل الجميع على حزمة المنافع نفسها. ومن المؤسف أن الضغوط التكنولوجية عكست جزءا من هذه "العدالة".
وتبين أن سداد فاتورة التكنولوجيات غير المدرجة في حزمة المنافع له أثر انحداري إلى حد ما. وخصص أقل من 1 في المائة من مجموع المدفوعات إلى أشخاص في الشريحة الخمسية الدنيا "أدنی 20 في المائة"، بينما خصص 40 في المائة منه إلى أشخاص في الشريحة الخمسية العليا "أعلى 20 في المائة" ــ الذين يملكون معلومات أفضل وقدرة أكبر على الذهاب إلى أطباء مختصين، مقارنة بالأشخاص الأفقر. ومن حيث النظرية، لم تتغير الإتاحة للجميع، ولكن من حيث التطبيق ليس الأمر كذلك. ومن الصعب تصور استخدام المال العام بأثر انحداري أكبر.
وتبلغ نفقات الرعاية الصحية للشخص في كولومبيا خمسها في أي من الدول المتقدمة العادية. إلا أن إدراج تكنولوجيات جديدة ضروري للحفاظ على شرعية النظام، ما يجعل استمراريته إشكالية. وتواجه كولومبيا حاليا صعوبات في سداد تكاليف الأدوية الجديدة مرتفعة الثمن. ووافق البرلمان الكولومبي على قانون يسمح باستبعاد المدفوعات للتكنولوجيات غير الفاعلة. وأنشأت الحكومة هيئة لتقييم جميع التكنولوجيات الجديدة. واعتمدت لائحة أسعار، وأعدت سياسة للتعامل مع صيغ مماثلة من الأدوية البيولوجية "المصنعة من بروتينات كائنات حية وليست المركبة كيميائيا". وعارضت الصناعة الصيدلانية التي استفادت كثيرا من عدم خضوع البيئة للتنظيم بعضا من هذه السياسات.
وهناك ثلاثة عناصر في قصة الرعاية الصحية في كولومبيا، هي:
• حدوث إصلاح تدريجي في الرعاية الصحية حقق تقدما اجتماعيا كبيرا في وقت قصير.
• ظهور ضغوط تكنولوجية مصدرها الرئيس الأدوية الجديدة مرتفعة الثمن، هددت استمرارية الإصلاحات وتقدمها المتدرج.
• إنشاء مؤسسات تهدف إلى دمج التكنولوجيات الجديدة بطريقة منظمة وقانونية بسرعة على الرغم من وجود مقاومة.
وتقدم تجربة كولومبيا في إخضاع أسعار الأدوية للتنظيم، والسماح بالتنافس في مجال تصنيع أدوية بيولوجية من دون علامات تجارية وتقييم التكنولوجيات، دروسا مهمة للدول النامية التي يتعين عليها التجاوب في آن واحد مع التحديات الماثلة في مجال الرعاية الصحية ومع الضغوط التكنولوجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي