خدمات القطاع الخاص مقابل القطاع العام «3 من 3»

في البحث الذي أجريناه في المناطق الريفية في الهند، أرسلنا مرضى مزيفين يتظاهرون بالإصابة بالحالة المرضية نفسها إلى عينة عشوائية من مقدمي الخدمات في القطاعين العام والخاص في البداية، ثم إلى مجموعة من الأطباء المؤهلين في القطاعين، وتوصلنا إلى عدة نتائج مهمة.
أولا، كانت أغلب خدمات الرعاية الصحية في القطاعين العام والخاص يقدمها أفراد غير حاصلين على تدريب طبي رسمي؛ ويعكس ذلك في القطاع الخاص ندرة في المتخصصين المدربين الراغبين في العمل في المناطق الريفية. أما في القطاع العام، فيقوم موظف غير حاصل على تدريب طبي بتقديم الرعاية الصحية في 64 في المائة من الحالات، نظرا إلى عدم وجود طبيب، فغالبا ما يتغيب عن العمل الأطباء الذين يعملون بمرتب ثابت في العيادات العامة - وفقا للدراسات الوطنية - تبلغ نسبة التغيب 40 في المائة من الوقت في الهند، و35 في المائة في أوغندا، وأكثر من 40 في المائة في إندونيسيا.
وثانيا، كانت نسبة الخدمات المتمحورة حول المريض ودقة العلاج أعلى ما تكون في عيادات القطاع الخاص التي يعمل فيها أطباء من القطاع العام، فالطبيب نفسه في العيادات الخاصة يقضي وقتا أطول ويسأل أسئلة أكثر وأكثر التزاما على الأرجح بالأسئلة والفحوص المقررة، وأكثر دقة في تحديد العلاج الملائم منه في العيادات العامة. ولا توجد أي فوارق بين القطاعين من حيث "ارتفاع" نسبة استخدام الأدوية غير الضرورية.
وثالثا، كانت نسبة الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية مرتفعة في القطاعين، ففي القطاع الخاص، يصرف 48.2 في المائة من مقدمي الخدمات المؤهلين و39.4 في المائة من مقدمي الخدمات غير المؤهلين بالكامل مضادات حيوية غير ضرورية، كذلك وصف أطباء القطاع العام في عيادات الرعاية الصحية الأولية مضادات حيوية لعلاج الإسهال لـ75.9 في المائة من الحالات، ولم يستغرقهم تحديد العلاج سوى دقيقة ونصف الدقيقة.
ورابعا، صاحب زيادة الالتزام بالإجراءات العلاجية المقررة وصحة العلاج الموصوف في القطاع الخاص ارتفاع في أسعار الخدمات العلاجية، ويتسق ذلك مع النماذج السوقية، التي يدفع فيها المستهلكون علاوة على السعر مقابل الحصول على جودة أفضل، وهذا يعني أن المستهلكين مدركون لجودة الخدمات ومهتمون بصحة العلاج المقدم.
لكن أسعار الخدمات لم تنخفض بسبب العلاجات غير الضرورية، ما يشير إلى أن المرضى لم يستطيعوا تحديد إذا ما كانت الأدوية الإضافية التي حصلوا عليها ضرورية أم لا.
ويمكن أن يعكس فرط استخدام الأدوية في القطاع الخاص علاقة بين الأرباح التي يحققها مقدم الخدمة ووصف الأدوية؛ حيث توضح الأبحاث أن الأطباء قلما يصفون المضادات الحيوية غير الضرورية إذا لم يكونوا يحصلون على مقابل مادي نظير وصفها للمرضى، لكن يكثر استخدام المضادات الحيوية في القطاع العام أيضا، وبالتالي قد يكون دافع الربح جزءا من الأسباب، لكنه ليس السبب الوحيد.
وبالمثل، فإن الاعتقاد الشائع بأن المرضى لا يستطيعون تقييم جودة الخدمات يتعين دحضه هو الآخر، نظرا إلى أن الفروق الحقيقية في جودة الخدمات الطبية يترتب عليها ارتفاع في أسعار تلك الخدمات. وفقا للشواهد القليلة المتاحة، هناك مبالغة بشأن مساوئ القطاع الخاص؛ إذ يبدو أن المرضى يستندون في اختيارهم إلى عوامل منطقية كالمسافة ووقت الانتظار والأسعار وجودة الرعاية، ولا توجد أي شواهد تذكر على أن اختيار المرضى للعيادات الخاصة مجرد اختيار عشوائي غير مرتبط بأسباب منطقية محددة. ورغم أن الأدوية يزداد استخدامها عادة عندما يكون مقدم الخدمة في القطاع الخاص هو من يقوم بتشخيص حالة المريض ويحصل أيضا على مقابل نظير العلاج، إلا أن هذه المشكلات نفسها توجد في القطاع العام.
وهكذا فإن المفاضلة بين القطاع العام والقطاع الخاص غير مرتبطة بجهل المريض أو سلوكيات غير مبررة، لكنها مرتبطة بالجودة الكلية لخدمات الرعاية الصحية، وهي متدنية في القطاعين، وقد يكون تطوير البنية التحتية والتدريب أمرا ضروريا لكنه غير كاف في حد ذاته لزيادة جودة الرعاية الصحية.
ويجب أن تتغير سلوكيات مقدمي خدمات الرعاية الصحية وهياكل الحوافز التي تؤثر في عملهم، فيستلزم الحد من استخدام الأدوية غير الضرورية وتطبيق سياسات تفصل بين التشخيص والعلاج في القطاعين، وسيتضمن ذلك الفصل القانوني بين مسؤوليات وصف الدواء وصرفه وإجراء الفحوص الطبية.
ولا يوجد ما يستدعي توسيع نطاق نظام الرعاية الصحية العام ما لم يكن على الأقل على مستوى جودة الخدمات التي سيحل محلها.
فقد يكون من الملائم توسيع نطاق نظام الرعاية الصحية العام في أحوال نادرة عندما يكون في الدولة قطاع خاص شديد الإخفاق وقطاع عام يطبق آليات مساءلة فعالة، لكن حتى في هذه الحالات سيتعين على الحكومات تعزيز قدرات القطاع العام بدرجة كبيرة ووضع إطار تنظيمي شامل، وقد يكون الخيار الأسهل في تلك الحالات التركيز في البداية على الخدمات المتاحة بالفعل ومحاولة تحسينها، فإذا أقر صناع السياسات عدم قبول الناس استخدام القطاع العام لتدني جودته والتركيز على تحسين الأوضاع، فسيختار المرضى الخيار الأفضل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي