خدمات القطاع الخاص مقابل القطاع العام «1من 3»

في عديد من الدول ينبغي ألا يجرى النقاش حول مصدر الرعاية الصحية الأولية ولكن حول جودته، فيوفر القطاع الخاص ما بين ثلث وثلاثة أرباع جميع خدمات الرعاية الصحية الأولية في الدول منخفضة الدخل حسب المسح المستخدم. ولكن بالنسبة لمعظم المرضى لا تشمل الرعاية الطبية التي يقدمها القطاع الخاص المستشفيات الكبيرة والحديثة ومقدمي الخدمات المتكاملة. فالقطاع الخاص من هذا النوع موجود لخدمة المرضى الأثرياء نسبيا في المناطق الحضرية.
أما القطاع الخاص المتاح للفقراء، فهو مزيج يجمع بين مقدمي الخدمات الحديثة الذين يديرون عيادات صغيرة بهدف الربح أو يعملون لدى مؤسسات غير هادفة للربح، ومقدمي الخدمات المدربين على الأنظمة الطبية التقليدية والمعالجين بالأعشاب وممارسي الطب التجانسي وغيرهم عديدون من غير ذوي المؤهلات.
ومن المستحيل التعميم فيما يتصل بدور القطاع الخاص في تقديم الخدمات الطبية للفقراء. غير أنه يوجد تعميمان يشكلان جزءا كبيرا فيما يبدو من النقاش حول العلاج الطبي الخاص في الدول منخفضة الدخل. الأول يصور القطاع الخاص بوصفه حلا شاملا لجميع مشكلات القطاع العام وأوجه الخلل التي تشوب عمل هذا القطاع عموما، والآخر يعتقد أن الممارسات الاستغلالية تستشرف القطاع الخاص بصورة تستوجب تنظيمه ومراقبته وربما إحلال العيادات الممولة والمدارة حكوميا محله.
والحكم على صحة أي من الرأيين مسألة تجريبية تتوقف على طبيعة المشكلات التي تنشأ عن التفاعل بين المرضى ومقدمي خدمات الرعاية الصحية في أسواق العلاج الطبي، وعلى قدرة الحكومة على حل تلك المشكلات. فعلى سبيل المثال، قد لا يعترف المرضى بخدمات الرعاية الصحية الجيدة ومن ثم يطلبون عوضا عنها علاجات سريعة وأدوية مقلدة غير فعالة. وفي هذه الحالة، سيقدم القطاع الخاص لهم نوع العلاج الذي يطلبونه. أوقد يصف مقدمو الخدمات علاجات تحقق لهم منفعة مالية أكبر دون أن تلبي الاحتياجات الصحية للمرضى. فعلى سبيل المثال، قد يختار مقدم الخدمة إجراء عمليات قيصرية عندما تكون الولادات الطبيعية الأقل تكلفة كافية أو صرف أدوية غير ضرورية سعيا وراء المكسب. ويوجد بالفعل اعتقاد شائع بأن "تفاوت المعلومات" — أي عندما يعرف مقدم الخدمة مزيدا من المعلومات عن حالة المريض مقارنة بما يعرفه المريض - يؤدي إلى مشكلات في خدمات الرعاية الصحية العلاجية التي يقدمها القطاع الخاص.
ولكن ليس من الواضح أن الحكومات تقوم بدور أفضل في هذا الصدد. فغالبا ما يصاحب تدني جودة الخدمات المقدمة في القطاع الخاص وأوجه الخلل السوقي الحادة تدني جودة الخدمات المقدمة في القطاع العام. إذ تفتقر الجهات التنظيمية المحتملة غالبا إلى القدرة على المراقبة والإنفاذ. ويتعين على الحكومة الاضطلاع بتقديم السلع العامة الحقيقية- كالقضاء على مصادر الأمراض "مثل البعوض" وتحسين خدمات الصرف الصحي. ولكن عندما يتعلق الأمر بخدمات الرعاية الصحية العلاجية، فإن الصورة تكون أقل وضوحا.
يوجد في الدول منخفضة الدخل قطاع رعاية صحية خاص كبير عموما، ويستخدم بشكل مطرد مصدرا لخدمات الرعاية الصحية الأولية، وذلك رغم زيادة التمويل المتاح للخدمات العامة وإلغاء الرسوم عليها في عديد من الدول. وقد سئل أفراد الأسر في إطار المسوح الديموغرافية والصحية عن القطاع الذي توجهوا إليه عند إصابة أحد الأطفال بالحمى أو الإسهال. وخلال الفترة بين 1990 و2013 ، 224 مسحا في 77 دولة، لجأ نصف السكان إلى القطاع الخاص، وخلال الفترة ما بين 1998 و2013، استعان خمسا السكان بخدمات الرعاية الصحية الخاصة، بمن فيهم أفقر 40 في المائة. وبالنسبة لأمراض الكبار والأطفال مجتمعين، بلغ استخدام القطاع الخاص في أوائل الألفينات "آخر بيانات متاحة" ما بين 25 في المائة في إفريقيا جنوب الصحراء، و63 في المائة في جنوب آسيا".
ومن الأسباب الممكنة التي تفسر الاعتماد الكبير على القطاع الخاص عدم توافر العيادات العامة أو التزاحم الشديد عليها، ما يدفع الناس إلى اللجوء إلى العيادات الخاصة. ولكن الناس يقبلون على مقدمي الخدمات من القطاع الخاص إقبالا شديدا حتى في حالة توافر العيادات العامة. ولا يبدو أن الزحام الشديد يمثل لهم مشكلة. ففي تنزانيا والسنغال والمناطق الريفية في ماديا برادش في "الهند"، يقضي الأطباء في عيادات الرعاية الصحية الأولية العامة من 30 دقيقة إلى ساعة يوميا فقط في الكشف على المرضى. وفي نيجيريا، تستقبل الوحدة العامة الريفية العادية مريضا واحدا خلال اليوم وقد يعكس أبعاد الجودة استعداد المرضى لدفع مقابل مادي نظير الحصول على خدمات القطاع الخاص التي كان من الممكن أن يحصلوا عليها مجانا من وحدة عامة يرتادها مرضى قليلون، كغياب مقدم الخدمة في الوحدات العامة أو عدم الاعتناء الكافي بالمرضى.. يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي