المال السهل دفع جميع الأصول نحو مناطق «الفقاعة»

المال السهل دفع  جميع الأصول نحو مناطق «الفقاعة»

كل شيء نجح في 2019. الأسهم الأمريكية والسندات عالية المخاطر والفضة والنفط و"بيتكوين" حتى صناديق المؤشرات المتداولة التي تركز على اليونان جميعها سجلت مكاسب مذهلة، مدعومة بالسياسات السهلة للبنك المركزي. تكمن الآن مخاطر جديدة، إذ يواصل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إبقاء أسعار الفائدة منخفضة ويستمر في عمليات ضخ السيولة الشهرية، إضافة إلى عمليات شراء أذونات الخزانة بالحجم نفسه في الجولات السابقة من التسهيل الكمي. ساعدت هذه الجهود على إرسال كل فئة من الأصول تقريبا إلى مناطق "الفقاعة". لكن هناك مجموعة متزايدة من الأصوات في وول ستريت تحذر من عواقب محتملة لهذه السياسة النقدية المتساهلة أكثر من أي وقت مضى: التضخم الذي يمكن أن يهيمن، لأول مرة منذ ستة أعوام على العناوين الرئيسة هذا العام.
جيفري جوندلاش، الرئيس التنفيذي لـ"دبل لاين كابيتال"، قال إنه كان يوما رائعا للأسواق المالية في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، عندما قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جاي باول، إنه سيحتاج إلى رؤية "ارتفاع كبير جدا في تضخم مستمر، قبل أن نفكر حتى في رفع الفائدة لمعالجة مخاوف التضخم".
بالنسبة إلى جوندلاش، الذي تدير شركته أصولا قيمتها 150 مليار دولار، الكلمة الأساسية كانت "مستمر". وصف الأمر بأنه "مهم للغاية" إذ أصبح باول "الآن أحد مشجعي التضخم في النظام. ارتفاع التضخم هو الآن هدف رئيس الاحتياطي الفيدرالي. ألا يرى الناس مقدار حجم هذا التحول؟".
من المؤكد أن القلق حول التضخم من شأنه أن يؤدي إلى انعكاس عن العقد الماضي أو نحو ذلك، في الوقت الذي كان فيه مراقبو السوق أكثر انزعاجا من الانكماش. بذلت البنوك المركزية جهدا كبيرا لتجنب الوقوع في مستنقع النمو والتضخم المنخفضين "ذو الخصائص اليابانية". خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثلاث مرات العام الماضي، ما جعل نطاقه المستهدف لتكاليف الاقتراض قصير الأجل الذي يبلغ 1.5 في المائة يصبح 1.75 في المائة.
قال ريتشارد بيرنشتاين، من "ريتشارد بيرنشتاين أدفايزرز"، إن البنك المركزي الأمريكي لديه مهمة مزدوجة تتمثل في استقرار الأسعار والحد الأقصى للتوظيف المستدام "لكن البطالة في أدنى مستوى لها منذ 50 عاما، فلماذا إذن خفضوا أسعار الفائدة ثلاث مرات في ثلاثة أشهر؟". وتابع: "لا بد أن ذلك بسبب قلقهم بشأن الانكماش. أو بعبارة أخرى، تضخم غير كاف". يلاحظ بيرنشتاين وجوندلاش أن مسعى باول لتضخم أكبر يتزامن مع تحركات من قبل دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة، لتخفيف القيود المالية. ارتفع العجز السنوي في ميزانية الحكومة الأمريكية إلى 984 مليار دولار في العام المالي 2019، وهو الأكبر منذ سبعة أعوام متزامنا مع انخفاض الإيرادات الضريبية وارتفاع الإنفاق العسكري. ومن المتوقع أن يصل العجز إلى تريليون دولار هذا العام، ما يغذي التضخم نظريا.
في الوقت نفسه، قد تصل آثار الحرب التجارية الطويلة مع الصين إلى أسعار المستهلك وتؤدي إلى ارتفاعها. السبب في أن الولايات المتحدة لم تشهد مزيدا من التضخم حتى الآن نتيجة للرسوم الجمركية هو أن الشركات تستوعب رسوما جمركية إضافية وتقبل الضغط على هوامشها. قال بيرنشتاين: "من غير المرجح أن يستمر هذا في 2020".
نتيجة لذلك، أوضح أن شركته التي تشرف على أصول قيمتها 9.3 مليار دولار، لها مراكز كبيرة في سندات الخزانة المحمية من التضخم Tips.
كاثي جونز، كبيرة استراتيجيي الدخل الثابت في "تشارلز شواب"، قالت إن مثل هذه السندات التي تدفع للمستثمرين سعر فائدة ثابتا -تتكيف القيمة الاسمية للسند مع معدل التضخم- هي "الطريقة الأكثر مباشرة" لحماية المحافظ من التضخم.
يفضل جوندلاش أيضا سندات الخزانة المحمية من التضخم مثلما يفضل الذهب والسلع وأصول الأسواق الناشئة، التي تميل إلى الاستفادة من ضعف الدولار، الذي يسببه التضخم. قال إن الدولار المنخفض كان التداول الأعلى إقناعا بالنسبة له خلال العام.
من جانبه، قال بيرنشتاين: "لقد أشرنا إلى أننا نعود مرة أخرى إلى ’عرض السبعينيات‘ لكن ليس أواخر السبعينيات"، في إشارة إلى مسلسل كوميدي تلفزيوني. وتابع: "لم تبدأ ارتفاعات التضخم في سبعينيات القرن الماضي مع قلق الجميع بشأن التضخم".
بعض أجزاء السوق بدأت تفهم. ضخ المستثمرون 208 ملايين دولار في صناديق سندات الخزانة المحمية من التضخم الأمريكية في الأسبوع المنتهي في 15 كانون الثاني (يناير)، وفقا لبيانات "ليبر". كان ذلك هو الأسبوع الخامس على التوالي من التدفقات الداخلة.
في الوقت نفسه أطلق الدولار الضعيف تدفقات إلى الصناديق المرتبطة بالسلع، وفقا لجيسون بلوم كبير مديري استراتيجية وبحوث صندوق المؤشرات المتداولة العالمية في "إنفسكو". قال إن هذه الصناديق "تحوط قوي من التضخم".
يتكدس آخرون أيضا في الذهب، وهو التحوط الكلاسيكي من التضخم. يرى "بريدج ووتر أسوسيتس"، أكبر صندوق تحوط في العالم مع أصول تحت إدارته تبلغ 160 مليار دولار، أن أسعار الذهب تبلغ حاليا نحو 1550 دولارا للأونصة، وتتجاوز في النهاية ألفي دولار في بيئة تتسم بمعدلات فائدة منخفضة، وبقبول الاحتياطي الفيدرالي للتضخم الأعلى.
الثناء الذي وجه إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق بول فولكر الذي توفي أواخر 2019 تركز على انتصاره على التضخم في سبعينيات القرن الماضي. أثبتت فترة ولايته أن التضخم بمجرد إطلاقه لا يمكن ترويضه بسهولة. من المفهوم أن المستثمرين يشعرون بالقلق من الحديث غير المنضبط.

الأكثر قراءة