مكانة المرأة السعودية والمؤشرات العالمية

كان ولا يزال دور المرأة السعودية مهما للغاية في كل مراحل البناء والتنمية، ولقد جاء دورها في كل مرحلة منسجما تماما مع متطلبات التنمية ومقتضيات الحياة العصرية الحضارية، وأي تحول في دور المرأة وممارستها لهذا الدور يأتي من مدى استعدادها له وقدرتها على ممارسته، ولم تكن المملكة في أي مرحلة من مراحل التنمية تخضع لأي ضغوط في هذا الشأن بل تمضي بهدوء من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف التنموية الشاملة وفق ما حددته الشريعة الإسلامية من حقوق ووجبات، فقد مر زمن كانت المملكة تمر فيه بحالة إصلاح شاملة في كل النواحي، وكان دور المرأة في تلك المرحلة يتركز في أن تحقق مستويات عليا من التأهيل والتعليم وبناء المهارات الأساسية التي تتطلبها حياة المرأة في العصر الحديث، فقد كانت المملكة في مراحل البناء الأولى ترتكز على استقطاب الكفاءات من خارج المملكة لتعليم الإنسان السعودي، ولهذا لم يكن دور المرأة السعودية بأقل حالا من دور الرجل في ذلك الوقت وهو التركيز على التعليم وبناء المهارات، ومع النمو الاقتصادي والاجتماعي الشامل كانت فرص العمل في قطاع التعليم هي المسار الأكثر ملاءمة سواء للرجل أو المرأة السعودية، وكانت فرص العمل متاحة في هذا القطاع بشكل كبير، وقد حققت المرأة السعودية نجاحا باهرا في ذلك، ولخصوصية تعليم المرأة واكتفائها بذاتها في هذا الشأن لم تكن الأسئلة كبيرة بشأن قضايا عدة ولعل أهمها تمكين المرأة من المناصب القيادية، حيث ظل الدور الأساس هو حصول الفتاة السعودية على التعليم والمهارات الأساسية قائما، لكن مع بلوغ تعداد الشعب السعودي إلى ما يزيد على 30 مليونا، فإن التحول الاجتماعي والاقتصادي كان ملحا جدا، وظهرت الحاجة ماسة إلى أن تمارس المرأة السعودية دورا أكثر أهمية في تنمية اقتصادية شاملة من خلال رؤية المملكة 2030، لكن هذه المرحلة كانت بحاجة إلى عديد من التشريعات التي تقدم للمرأة ضمانات العمل والحماية الاجتماعية، بما يتلاءم مع مكانتها في الشريعة الإسلامية وأيضا بما يحقق أقصى استفادة من هذا الدور الجديد، خاصة أن الفتاة السعودية أصبحت تمتلك المهارات والمعارف التي تؤهلها لتولي أعلى المناصب القيادية. وقد ركزت المملكة كل جهودها في الأعوام التي تلت إعلان رؤية المملكة 2030 على هذه المسألة بالذات، وتؤكد المعطيات القائمة والمؤشرات العالمية أن المملكة حققت قفزة نوعية تتناسب تماما مع المرحلة الحالية التي يمر بها المجتمع السعودي.
فبعد صدور تشريعات مهمة مثل قيادة المرأة للسيارة، وحرية التنقل، وحقوقها بشأن الحصول على وثائق السفر الخاصة بها، وأيضا التشريعات المتعلقة ببيئة العمل والحماية الاجتماعية من العنف والتحرش، كل هذه التشريعات مكنت المملكة من أن تحقق قفزة نوعية غير مسبوقة في تقرير البنك الدولي بشأن "المرأة، أنشطة الأعمال، والقانون 2020" إذ سجلت المملكة 70.6 درجة من أصل 100 في مقياس التقرير، كما صنفت الدولة الأكثر تقدما وإصلاحا بين 190 دولة حول العالم، لتصبح بذلك الدولة الأولى خليجيا والثانية عربيا، وتحسنت في ستة مؤشرات من أصل ثمانية يقيسها التقرير، هي: التنقل، مكان العمل، الزواج، رعاية الأطفال، ريادة الأعمال، والتقاعد، فيما حافظت على درجتها في مؤشر الأصول والممتلكات.
وبحسب نتائج التقرير حققت المملكة الدرجة الكاملة التي تبلغ 100 في أربعة مؤشرات، هي التنقل، مكان العمل، ريادة الأعمال، والتقاعد. ورغم هذه المؤشرات فإن الأساس والمنطلق للتشريعات التي مست عمل المرأة في المملكة تأتي أساسا من الشريعة الإسلامية التي تنظر للمرأة كما تنظر للرجل من حيث الحقوق العامة، فالمرأة لها شخصية قانونية مستقلة ومسؤولة تماما عن تصرفاتها ولها أن تمارس حقوقها القانونية بكل حرية، ولهذا فإن التشريعات التي صدرت بشأن المرأة ليست غريبة ولا جديدة على المجتمع بل أتت فقط لأن متطلبات المرحلة تحتاج إلى أن تصاغ هذه التشريعات بكل وضوح، فالتحسن في المؤشرات ليس معناه أن المرأة السعودية كانت في وضع غير مناسب، بل لأن المملكة والمجتمع لم يكن بحاجة ماسة إلى هذه التشريعات خاصة أن دور المرأة كان منحصرا في التعليم، وهذا الأخير كان يجد حماية ودعما من الحكومة والمجتمع بشكل واسع، لكن مع انفتاح مجالات العمل أمام المرأة بحكم تطور السياق الاجتماعي من ناحية وتطور مهاراتها من ناحية أخرى فقط كان لزاما أن يتم نشر هذه التشريعات وإقرارها، كما أن هذا مؤشر واضح الدلالة على أن الحكومة السعودية لا تخضع لضغوط بشأن المرأة بقدر ما تتجاوب مع تطور احتياجاتها في سياق تطور المجتمع وثقافته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي