بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة .. المستقبل للطاقة الشمسية

من المؤكد أن تزيد الثورة الصناعية الرابعة من أهمية استخدام الطاقة الشمسية وجدواها، وتسهم في إيجاد سوق جديدة للطاقة، حيث يمكن لأي شخص مهتم بهذا المجال أن يكون شريكا فيه. فما طبيعة هذه السوق الجديدة مستقبلا؟ وكيف يمكنك أن تكون شريكا فيها؟ وما تحدياتها؟ وهل يمكن أن تكون منطقة نيوم نموذجا مثاليا لها؟

سيؤدي تركيب الألواح الشمسية الكهروضوئية فوق أسطح المباني إلى إيجاد سوق جديدة للطاقة، فكيف ستكون الحال لو تم ربط هذه الطاقة بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة "مثل: إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والبلوكتشين"؟ عندما تكون الطاقة الكهربائية المنتجة من الألواح الشمسية أكثر من الطاقة المطلوبة في المنزل مثلا، سيتم تصدير الطاقة الفائضة إلى الشبكة الكهربائية، والسؤال المطروح هو: هل يمكنك أن تبيع الكهرباء للآخرين؟ ولذلك سيتم مستقبلا إنشاء سوق جديدة متكاملة لتبادل الكهرباء، ومن ثم سيزيد من جدوى استخدام الألواح الشمسية فوق أسطح المباني، علاوة على ذلك، سيتم تطوير نسخة جديدة من نظام إدارة المباني BMS يمكنه التواصل مع الأجهزة الذكية في المبنى لتحسين استهلاك الطاقة داخل المبنى، باستخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.

فكيف سيكون الوضع المستقبلي للطاقة عندما تستخدم الألواح الشمسية فوق سطح منزلك؟

حاليا في بعض الدول تعد الطاقة الكهربائية المنتجة من الألواح الشمسية فوق أسطح المنازل أجدى اقتصاديا من الطاقة المقدمة من الشبكة الوطنية لتوزيع الكهرباء، وفي هذه الحالة سيزيد معدل استهلاك الطاقة المنتجة ذاتيا وسيؤدي إلى تغير نمط الاستهلاك، ومن ثم يؤدي ذلك إلى إنشاء نموذج تجاري جديد وسيكون جزءا من ميزات المباني الخضراء التي تشتمل على نظام إدارة المباني وتخزين الطاقة والأجهزة الذكية ووحدة الشحن للسيارات الكهربائية، كذلك سيصبح بالإمكان ربط الطلب على الكهرباء من خلال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مع الطاقة المنتجة من الألواح الشمسية، وعلى سبيل المثال، عندما يتم إنتاج مزيد من الطاقة من خلال الألواح الشمسية يزداد استهلاك الكهرباء في المنزل! حيث يتم تأمين الطلب من خلال نظام تحكم ذكي مرتبط بالأجهزة المنزلية مثل غسالة الملابس والصحون، لتعمل خلال هذه الفترة، لأن الطاقة الكهربائية المنتجة من الألواح الشمسية أرخص من الطاقة المقدمة من شبكة الكهرباء، ولأجل ذلك يفضل زيادة الاستهلاك الذاتي للكهرباء، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الذاتي للآلة لتحسين توقعات الطلب والإنتاج وبالتالي إدارة التوليد والاستهلاك بشكل أفضل، وعلاوة على ذلك، يمكن دمج نموذج اقتصادي في الحل الذكي ومن ثم التحكم في زيادة أو تقليل الاستهلاك الذاتي للطاقة أو بيع الكهرباء التي ينتجها النظام الشمسي إلى الشبكة.

ومن جهة أخرى من خلال التنبؤ بالأشعة الشمسية خلال الساعات أو الأيام المقبلة وربط ذلك بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، يمكن لخوارزم اقتصادي مرتبط بالألواح الشمسية وجميع مصادر استهلاك الكهرباء في المنزل اقتراح نموذج استهلاكي للمنزل يمكنه تشغيل الأجهزة المنزلية بصورة اقتصادية، وأيضا من خلال التنبؤ بالأشعة الشمسية ونمط الاستهلاك لجهاز منزلي معين يستطيع الجهاز تعلم "تعلم الآلة" أفضل نمط تشغيل له ذاتيا مع الأخذ في الحسبان اقتراحات مُصنع الجهاز.

وعلى الجانب الآخر، يستطيع مزود الطاقة الكهربائية من المصادر التقليدية تحليل سلوك الاستهلاك الخاص بالمبنى الذي يستخدم عدادا ذكيا واستنادا إلى البيانات الإحصائية للاستهلاك من خلال إنترنت الأشياء يمكن أن يقدم المزود اقتراحا للمستخدم لتغيير نمط الاستهلاك بسعر أقل، ويكون ذلك بناء على برنامج متفق عليه. ومن حسنات هذه التقنية أنه إذا تم ربط أنظمة إدارة المباني الذكية ونمط الاستهلاك المتوقع مع منتج الطاقة الكهربائية من المحطات الرئيسة التقليدية، يستطيع المنتج أن يحسن نمط إنتاج الطاقة الكهربائية.

وعلاوة على ذلك، سيتم تطوير سوق لتبادل الطاقة باستخدام مفهوم عملة البلوكتشين blockchain الإلكترونية، بحيث يستند تبادل الطاقة بين المنازل بالمفهوم التقليدي نفسه للبلوكتشين. وبثقة الناس بك في السوق باستطاعتك بيع الطاقة المنتجة من منزلك لجارك والعكس صحيح، حيث يمكنك شراؤها من جارك أو أي شخص آخر ضمن نطاق جغرافي معين.

من جهة أخرى بعض الشركات مثل جوجل وأبل وفيسبوك وأمازون لديها أنظمة ترفيه للمنازل، وبالإمكان ربط هذه الأنظمة بأنظمة إدارة المباني الذكية من أجل تشغيل اقتصادي لنظام الطاقة في المنزل.

ومع انتشار هذه الحلول ستصبح الطاقة المنتجة من الألواح الشمسية رخيصة، ما سيؤدي إلى خفض فترة الاسترداد المالي لنظام توليد الكهرباء الشمسي على الأسطح وسيصبح أكثر جدوى وسيغير سوق الطاقة الكهربائية تماما.

ولتعزيز إدخال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في النظام الشمسي للمباني، اقترحت المنظمة الأوروبية للطاقة الشمسية سبعة عناصر على النحو التالي :

1- تعزيز الآليات التي توفر خيارات مختلفة وحرية إدارة الطاقة للمستهلك-المنتج prosumer وهو يعرف بأنه المستهلك الذي يستهلك الطاقة من الشبكة وفي الوقت نفسه ينتج الطاقة "على سبيل المثال من خلال نظام الطاقة الشمسية الكهروضوئية على أسطح المباني" ويبيعها للآخرين.

2- تطوير آليات دعم لتبادل الطاقة بين الأقران "المستهلكين المنتجين"، مع الأخذ في الحسبان مفهوم البلوكتشين.

3- دعم مشغلي الشبكات لتطوير شبكات ذكية وموثوقة تضم الطاقة الشمسية وأنظمة تخزين الطاقة وآليات الطلب المرن، من خلال جمع البيانات في الوقت الفعلي وتحليلها لتحسين الطلب على الكهرباء وتوليدها.

4- دعم استخدام الثورة الصناعية الرابعة لجعل الأنظمة الشمسية أكثر فعالية من حيث التكلفة، ما يعزز من قدرتها التنافسية من خلال تحسين موثوقيتها وتوافرها.

5- دعم قابلية التشغيل البيني للبرامج الحاسوبية المرتبطة مع أجهزة متوافقة، بحيث يتحقق نقل وتبادل البيانات بشكل آمن وفعال.

6- حماية البيانات والأمن السيبراني من خلال دعم الشركات لتطبيق أحدث أنظمة حماية البيانات للشركات العاملة في هذا المجال.

7- تبادل المعرفة المكتسبة من خلال تطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.

سيحسن هذا التعزيز من جدوى تطبيق أنظمة الطاقة الشمسية وربطها بالثورة الصناعية الرابعة. ومع ذلك لا بد من إيجاد سياسات تدعم تطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في مجال الطاقة الشمسية الكهروضوئية. ووفقا للمنظمة الأوروبية للطاقة الشمسية، يلزم إجراء التغييرات الآتية :

1- تعزيز التجارة البينية للكهرباء بين الأفراد، من خلال إزالة الحواجز وإيجاد آليات لحساب تكاليف الشبكة وفواتير الكهرباء والأنظمة المستقبلية لتوصيل الكهرباء.

2- عدم تعارض التقنيات والنماذج الجديدة لسوق الكهرباء مع مفهوم البلوكتشين مثلا وبالتالي سنضمن أن المشتركين يمكنهم المشاركة في سوق الطاقة.

3- سن الأنظمة لإنشاء سوق للطاقة تسمح لمجموعة من المستهلكين-المنتجين ليكونوا كجهة واحدة منافسة مع مزودي الطاقة من موارد الطاقة غير المتجددة، بحيث إن كل مجموعة يمكن أن تستخدم تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وأن يكوِّنوا محطات توليد طاقة افتراضية بناء على الطاقة المنتجة من الألواح الشمسية.

4 – توفير أدوات ومنتجات متوافقة مع الثورة الصناعية الرابعة لإيجاد سوق مرنة.

5 - وضع لوائح لتسريع تطوير شبكات ذكية بحيث يكون للكهرباء المنتجة من أنظمة الطاقة الشمسية حصة كبيرة منها.

6- التحفيز المالي في حال الموثوقية العالية للمستهلك-المنتج.

7- تشجيع نشر العدادات الذكية التي تدعم الثورة الصناعية الرابعة.

8- إمكانية حصول أصحاب المصلحة على بيانات الاستهلاك والإنتاج وتبادل البيانات مع التأكيد على سرية المعلومات.

9- إيجاد آلية لتشجيع الاستهلاك الذاتي للطاقة.

10- ضرورة توافق المعايير والأنظمة الجديدة مع سوق الطاقة ككل وبشكل خاص مع السوق الرقمية الجديدة التي تشمل الأنظمة الشمسية الكهروضوئية والمباني الذكية والشبكات الذكية والعدادات الذكية.

والخلاصة سيتم إنشاء سوق جديدة لتبادل الطاقة بين المنتجين الرئيسين للطاقة وموزعي الطاقة والمستهلكين. وستشجع هذه السوق المهتمين لاحقا على تسريع استخدام الثورة الصناعية الرابعة في المباني عندما تدعم اللوائح والسياسات ذلك، وأيضا فإنه مع تطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في سوق الطاقة وأنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية على الأسطح وتخزين الطاقة ستصبح الطاقة الشمسية أكثر جدوى مع انخفاض فترات الاسترداد لرأس المال، وستكون تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل: إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبلوكتشين والتعلم الآلي للأجهزة المنزلية أكثر قابلية للتنفيذ، وبالتالي لا بد من وضع اللوائح والسياسات التي تدفع المهتمين إلى المشاركة في أسواق الطاقة الجديدة، ومن المأمول أن تكون منطقة نيوم رائدة في ذلك عالميا ونموذجا تقنيا وتشريعيا واقتصاديا يحتذى به.

مدير مركز التميز البحثي في الطاقة المتجددة

ومدير مركز التميز في كفاءة الطاقة، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي