إدارة الأرباح .. أمثلة محلية

في نهاية السنة المالية، مثل هذه الأيام ينشط سلوك محاسبي سيئ يسمى "إدارة الأرباح". يقصد بإدارة الأرباح الممارسات الإدارية التي تقوم باستغلال المحاسبة المالية لتضليل مستخدمي القوائم المالية، وفي معظم الأحيان يعمل القائمون على المنشأة بإدارة الأرباح لتحقيق منافع شخصية، وبالتأكيد تدخل إدارة الأرباح من أبواب الاحتيال التي تستوجب التجريم والعقاب. عالميا، لن تنتهي أخبار ما يسمى بالفضائح المالية. وإذ تأتي تباعا فتسقط الشركات وتولد القوانين الجديدة، نجد أن الفضائح المالية وجرائم الاحتيال المالي يتخللها كثير من الممارسات الخاطئة وبكل تأكيد على قمة هذه الممارسات إدارة الأرباح.
محليا، لا يوجد ما يجعلنا نعتقد أننا في منأى عن انتشار هذه الممارسات، بل على العكس، ضعف بيئة الممارسات وتواضع عدد غير قليل من الأعمال في أنظمتها وحوكمتها المالية يجعل البيئة مناسبة جدا لانتشار هذه السلوكيات. وعلى الرغم من أننا نملك عددا من الأدوات التي نراها في طور التحسن والتطور المستمرين، مثل مراجعة الحسابات وارتفاع وعي صناع القرار داخل هذه المنشآت وجدية الجهات التنظيمية في الإشراف والتنظيم، إلا أن الطريق لا يزال طويلا.
من أبسط الأمثلة التي تقوم بها إدارات الشركات ما يرتبط بتغيير السياسات المحاسبية لتحقيق منافع مؤقتة أو حالية. على سبيل المثال، تغيير العمر الافتراضي الاستهلاكي لأصل جوهري أو تغيير سياسة محاسبة المخزون. تقوم هذه التغييرات باللعب على العامل الزمني وتنعكس آثارها على توقيت تسجيل الأثر ورصده في القوائم المالية، ما يغير في النهاية واقع الأرقام ليستفيد المسؤول عنها على حساب المستخدم الذي يتم تضليله. تغيير السياسات المحاسبية في أصله فعل مقبول تستدعيه حاجة العمل وتضبطه المعايير المحاسبية ويراجعه مراجع الحسابات، لكن مثله مثل أي أداة أو ممارسة قد يساء استخدامها ويعاد تكرارها بشكل غير عادل ومضلل. من الأمثلة الأخرى التي يقوم بعض الشركات بالعمل عليها تأخير رسملة الأصول الضخمة، مثل المشاريع التقنية والحفاظ عليها كأصول تحت التنفيذ لأطول فترة ممكنة، إذ إن هذا الأصل يجب أن يخضع للاستهلاك فور تدشينه لكن ما يحصل أن الشركة تستفيد بتجميد ما تم صرفه في حساب مؤقت وتؤخر التدشين المحاسبي والاستهلاكي له، ما يعني تأخير الأثر السلبي في قائمة الأرباح فترات مقبلة.
من أشهر أساليب إدارة الأرباح لعبة المخصصات الشهيرة، وهي منطقة محاسبية حساسة للشركة إذ إن المحاسبة الجيدة تستوجب تصور الأثر الوارد لأمور لا يمكن تجسيدها بشكل كامل بعد، لذا لا يمكن فعليا التجاهل أو العمل على التقليل من استخدامها لغرض التقليل فقط. لذا تشكل تحديا كبيرا لواضعي المعايير المحاسبية ومراجعي الحسابات والمستثمرين ولكل طرف يتعامل مع القوائم المالية. يمنح كثير من العمليات والوقائع فرصة التلاعب بالمخصصات وإدارة الأرباح، خصوصا إذا تحدثنا عن الحاجة الحقيقية إلى تقدير رجيع المبيعات أو الديون المشكوك في تحصيلها أو مستحقات منافع الموظفين. في السابق كانت الشركات تسيئ في التعامل مع المخصصات فهناك من وصل به الأمر إلى وجود "مخصص عام" دون تحديد سبب له يتحرك حجمه كما يريد كل سنة مالية. اليوم وإلى حد كبير لم يعد هذا ممكنا لتطور الممارسات والمعايير وتحسن أداء المحاسبين والمراجعين ووعي الإدارة والمستثمرين. لكن لا يزال كثير من الممارسات الأخرى ممكن الحدوث. تطورت المعايير اليوم في إلزام الشركات وتوجيههم نحو أساليب متطورة مرتبطة بالتقييم السوقي والتنبؤ المدروس واستخدام افتراضات ومعطيات يمكن تقييمها ودراستها تكون قابلة للتحقق. وعلى الرغم من أن هذه التطورات تخضع لانتقادات كثيرة إلا أن معظم الانتقادات يأتي من إدارات الشركات إذ أصبحت خياراتهم محدودة أكثر بحثا عن المعيارية والمقارنة والجودة.
من عمليات إدارة الأرباح التي يقوم بها عديد من الشركات: التحكم بالعمليات المنفردة خصوصا الاستثمارية وتوقيتها بطريقة تخدم إظهار الأرقام بما يخدم الإدارة. مثالها الواضح الاحتفاظ بمحفظة استثمارية ببنود خاسرة ورابحة، تحت الطلب، إذ تبيع الشركة جزءا من استثمارها الناجح في حالة حاجتها إلى زيادة الإيرادات، وتتخلص من الاستثمار الخاسر لحظة احتياجها إلى تخفيض الإيرادات، على الرغم من أن الشركة لا تعمل أساسا في مجال الاستثمارات. يجب أن تدار الاستثمارات في مثل هذه الشركات لغرض إدارة النقد والسيولة وليس لغرض إدارة الأرباح، وهنا يأتي التساؤل، أين لجنة المراجعة؟ وأين مجلس الإدارة؟ لهذا السبب يقوم المحللون باستبعاد البنود المنفردة عند تقييم أداء شركة ما. أحيانا تتسع دائرة التلاعب بالاستثمارات لتحسين الأداء حتى يصل إلى مستوى تغيير هيكل الشركات التابعة وفصلها ودمجها بما يبعد أو يقرب الشركة من نقطة الأداء المطلوبة، عندما يصمم التصرف لغرض إدارة الأرباح لفترة محدودة ولا يخدم الشركة استراتيجيا يصبح فعل الإدارة هنا احتيالا يستحق الجزاء. هناك من الشركات من يقوم بتحويل بعض العمليات إلى شركة تابعة لا تخضع لمستوى الرقابة نفسه الذي يطبق على الشركة الأساسية، فتصنع بذلك بؤرا داخل المجموعة لتنفيذ ما يودون القيام به، وتمرر بذلك النتائج المطلوبة بشكل غير مباشر إلى أعلى مستوى.
لو نظرنا بشكل مبسط إلى مثلث الاحتيال الذي يتحدث عن وجود الدافع والفرصة والتبرير، والمدير مالي في نهاية العام، سنجد أن ضغط الإدارة بتحسين النتائج على المدى القصير، وطبيعة عمل المكافآت والحوافز، إضافة إلى ضعف هيكل الرقابة، والقدرة على جعل العمليات حقيقية وليست مزورة، يجعل المثلث يكتمل بسهولة لكل من يريد ذلك. المصيبة: إن كثيرا من الممارسين يعتقدون أن تنفيذ عملية شرعية سليمة في أساسها لا يعد من إدارة الأرباح، لكن لو كانت هذه العملية لا تخدم المستثمرين مثلا ولم توجد مبررات حقيقية تشفع لذلك، لن تصبح كذلك، لأنها بكل بساطة سليمة المظهر مختلة الهدف والجوهر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي