مشكلات وحلول في بيئة العمل

عندما يراجع المرء منظمة حكومية، أو خاصة يجد من العاملين فيها أصنافا متباينين في خصائصهم الشخصية، وطريقة تعاملهم، فيهم البشوش، والوقور، والمتواضع، والمؤدي عمله بتفان، وإخلاص، وذو الخبرة الفاهم عمله، وفي الوقت ذاته يجد مقطب الجبين، الكسول، تسأله عن موضوع فلا يجيب إلا بشق الأنفس، المقصر في عمله إلى حد الإهمال، فلا تنظيم، ولا معرفة بأبسط الأمور ذات العلاقة بالعمل، ولو قدر وعلمها لبخل بها، وكأنه كنز يريد أن يحتفظ به لنفسه، وورثته.
هذه النماذج توجد في بيئات العمل دون استثناء ولا يعني هذا التعميم باعتباره السائد، بل الأمر يعود إلى ما يمكن تسميته ثقافة المنظمة، خاصة الثقافة الإدارية، ووعي منسوبيها، والتزامهم بالنظام، وأداءهم العمل بإخلاص وضمير.
لماذا تنجح منظمة، وتفشل أخرى؟ الإجابة عن السؤال ليست بسيطة، ولا يمكن حصرها في عامل واحد، وإنما تتعدد الأسباب، إلا أن سببا من الأسباب يمكن اعتباره جوهريا ألا هو قيادة المنظمة، أي إدارتها العليا، وما يتوافر لها من خصائص شخصية تمكنها من النجاح في عمل المنظمة.
الشخصية المؤثرة، أو كاريزما المدير، ذات قيمة في الإقناع وتقبل التوجيهات ذات العلاقة بالعمل، مع شعور العاملين معه بقربه منهم، ومعرفة خصائص كل واحد بما لديه من نقاط ضعف، وقوة، حيث يعمل على مساعدة الفرد على التخلص من السلبيات التي لديه إن وجدت بالنصيحة، والكلام الطيب، مع عدم التثبيط، والتقليل من الشأن، وإنما التشجيع، والدفع المعنوي، حتى يتمكن من التخلص مما لديه من نقاط الضعف، كما أن القائد الناجح لا يعد نجاح زملائه منافسة له، أو تهديدا لسلطته، وإنما الأصل اعتبار ذلك نجاحا للمنظمة، ونجاحا شخصيا له بفضل حكمته، ورزانة تعامله، وقدرته على الأخذ بيد الجميع.
النقاط السلبية التي توجد لدى البعض قد يكون علاجها بعدة طرق حسب طبيعتها، فافتقاد مهارات استخدام الحاسب الآلي على سبيل المثال لا الحصر يتم بإعطاء دورة تدريبية، أو من خلال التعليم بالمزاملة، وذلك بجعل المتمكن يدرب زميله الآخر، أما حالة الخجل التي توجد عند البعض فيمكن علاجها من خلال ورش العمل التي تتاح فيها الفرصة للجميع للحديث دون إشعار من يعاني الخجل أنه المستهدف، كما أن تكليف الفرد بمهمة من مهام العمل، والطلب منه أن يعرض ما تم عمله أمام الزملاء، أو بعضهم يسهم في علاج المشكلة، فالشعور بالثقة يقوي مفهومه عن ذاته ليتخلص في النهاية من علة الخجل التي تعيقه عن التواصل الفعال مع الآخرين بكفاءة واقتدار.
مشكلة الخجل تتمثل في كونها عائقا يحول بين المرء، وجودة التواصل، والتعبير عن رأيه في موضوع، وقد يكون لديه أفكار تطويرية للعمل، وحلول لمشكلات تعانيها بيئة العمل، إلا أن خجله يعيقه عن تقديم المقترحات لصاحب الصلاحية، لذا أرى أن سياسة الباب المفتوح التي يتبعها بعض القادة تشجع كثيرين على عرض أفكارهم، وما لديهم من حلول لبعض المشكلات، كما أن اللقاءات الدورية التي تعقد داخل المنظمة بين قيادتها، والعاملين فيها كسر للحواجز النفسية المسببة للتردد؛ خوفا من عدم تقبل الفكرة، وردود الفعل السلبية، لذا يكون الإحجام سيد الموقف، خاصة عندما يكون قائد المنظمة غامض الشخصية، فاقد المرونة، متصلبا في أفكاره، وينطبق عليه المثل القائل "لكل امرئ من دهره ما تعودا"، لاحظت في بيئة العمل الجامعية وجود أفراد يمثلون كنزا من الأفكار الفعالة، إلا أن تهميشهم غير المقصود يفقد القسم، أو الإدارة التي يعملون بها الاستفادة مما لديهم، وحين تتاح الفرصة لهم يبدعون.
في مراجعة لبعض الإدارات شعرت أن بعض الأفراد كأنهم لا مكان لهم في بيئة العمل، بمعنى آخر لا دور لهم على الإطلاق، وكل ما يقومون به الخروج، والدخول، والجلوس على المكتب، والانشغال بالجوال، فلا يكتب شيئا، ولا يرد على مكالمة، ولا يحمل أوراقا لمكتب آخر، وكل ما يقوم به الالتفات يمنة ويسرة، بل إن النتيجة التي خرجت بها أنه يعاني الفراغ، والملل، وكأنه يقول: قتلني فعل لا شيء رغم وجوده في بيئة العمل، هؤلاء في الأساس إما أنهم فرضوا بشكل أو آخر على هذه البيئة، أو غير مؤهلين حسب طبيعة العمل، أو أنهم لم يعطوا الفرصة لإعطاء ما لديهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي