FINANCIAL TIMES

الانتقال من النمو القذر إلى النمو الأخضر هدف بعيد المنال

الانتقال من النمو القذر إلى النمو الأخضر هدف بعيد المنال

إليكم قصة المناخ التي نحب نحن الليبراليين قولها لأنفسنا: بمجرد التخلص من السياسيين الديناصورات مثل ترمب، سنتولى شركات الوقود الأحفوري الكبرى والشركات الجشعة ونصوت لـ"صفقة خضراء جديدة".
ستمول هذه الصفقة الصناعات النظيفة سريعة النمو: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والسيارات الكهربائية، والملابس المستدامة. سيكون ذلك مربحا لجميع الأطراف: يمكننا تخضير مجتمعاتنا والاستمرار في الاستهلاك. تسمى هذه القصة "النمو الأخضر".
لسوء الحظ، النمو الأخضر على الأغلب غير موجود -على الأقل ليس على مدى العقدين المقبلين، خلال هذه الفترة سيكون علينا خفض معظم انبعاثات الكربون لنحافظ على الأرض بوصفها مكانا صالحا للعيش. يجب أن يختار جيلنا: يمكن أن نكون خضرا، أو أن نحقق نموا، لكن ليس الأمرين معا.
لنبدأ بالأساسيات. يجب أن نخفض انبعاثات الكربون الحالية إلى النصف تقريبا بحلول عام 2030 حتى نحصل على فرصة للحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية، وفقا لـ"اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ".
يعتقد كثير من علماء المناخ أن تقديرات "اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ" التي تتسم بالرجعية وتقوم على أساس توافق الآراء، متفائلة للغاية. لكن دعونا نقبل هذا الرقم للحظة. سيتطلب ذلك تحولا كاملا. لا تزال الانبعاثات العالمية في ارتفاع، وقد سجلت رقما قياسيا العام الماضي. في الوقت نفسه عدد سكان العالم في ازدياد.
لذلك نحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات وتغذية مزيد من الناس في آن معا. لكن هؤلاء الناس أيضا يزدادون ثراء: دخل الفرد العالمي ينمو 2 في المائة سنويا. عندما يملك الناس أموالا، يحولونها إلى انبعاثات كربونية. هذه هي الثروة.
لتحقيق النمو الأخضر، يجب أن نصدر كمية أقل بشكل جذري من الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. كمية الكربون اللازمة لإنتاج دولار واحد من الناتج المحلي الإجمالي كانت تنخفض في الآونة الأخيرة نحو 0.4 في المائة سنويا.
لكن للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة عند مستويات آمنة، كثافة الكربون في الاقتصاد العالمي يجب أن تنخفض بصورة أسرع بمعدل عشر مرات على الأقل، وفقا لتقديرات "شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الـ21" REN21، وهي مؤسسة فكرية.
سيقول مؤيدو النمو الأخضر: "لا تقلق، الطاقة المتجددة بدأت تنجح". من الصحيح أيضا أن مصادر الطاقة المتجددة الحديثة تمثل الآن أكثر من 10 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة، وفقا لـREN21. بحلول عام 2050، قد يصل هذا الرقم إلى نحو 30 في المائة.
لكن "اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ" تقدر أننا سنحتاج إلى مضاعفة هذا الرقم بحلول ذلك الوقت. الاستثمار العالمي في مشاريع الطاقة النظيفة تراجع في النصف الأول من عام 2019 إلى أدنى مستوياته في ستة أعوام، وفقا لـ"بلومبيرج لتمويل الطاقة الجديدة".
يتفاخر مؤيدو النمو الأخضر بتحول الاقتصادات الأوروبية في العقود الأخيرة: ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض الانبعاثات. لكن هذا في الأغلب لأن هذه البلدان نقلت انبعاثاتها إلى الخارج: يتم تصنيع كثير من أشيائهم الآن في آسيا.
علاوة على ذلك لا يتم احتساب الطيران والشحن في الميزانيات الوطنية للكربون. بمجرد أن تأخذ في الحسبان الانبعاثات المضمنة في البضائع المستوردة، فإن انبعاثات الكربون في الاتحاد الأوروبي تزيد نحو 19 في المائة على الأرقام الرسمية للكتلة. وبحسب "مشروع الكربون العالمي"، وهي شبكة من العلماء، بالنسبة لعديد من المدن الكبرى سيبلغ الفارق نحو 60 في المائة.
الحقيقة المحزنة هي أن الانتقال من النمو القذر إلى النمو الأخضر سيستغرق وقتا أطول بكثير مما لدينا. البنية التحتية التي سنستخدمها خلال العقود المهمة التالية تم بناؤها بالفعل إلى حد كبير، وهي ليست خضراء. معظم طائرات اليوم وسفن الشحن ستظل قيد الاستخدام حتى عام 2040. لا توجد بدائل خضراء حتى الآن، ولا شطائر نباتية أو ملابس مستدامة بصورة كافية.
إضافة إلى أن معظم الناس في عام 2040 سيعيشون في شوارع مشابهة للتي يعيشون فيها اليوم، وسيستمرون في قيادة السيارات. السيارات الكهربائية لن تنقذنا: انبعاثاتها طوال مدة بقائها عالية بشكل غير مقبول. (تعدين الليثيوم، وصنع بطاريات السيارات، وشحن السيارات، وتوليد كهرباء معظمها ليست نظيفة).
أو تصور أكبر مشروع جديد للبنية التحتية في العالم: "الحزام والطريق" في الصين عبارة عن شبكة من الطرق السريعة والموانئ ومصانع الأسمنت ومحطات الطاقة (كثير منها يعمل بالفحم). هذا نمو، لكنه ليس أخضر.
صحيح أننا أصبحنا أكثر كفاءة في استهلاك الوقود. قللت السفن والسيارات والطائرات من استهلاكها للطاقة لكل ميل. لكن كما أشار وليام جيفونز في عام 1865، عندما يصبح الوقود أرخص وأكثر فاعلية، فإننا نستخدم مزيدا منه. لاحظ الارتفاع العالمي في مبيعات السيارات، وزيادة سرعة السفن، والأعداد المتزايدة من رحلات الطيران كل عام. أربعة من بين كل خمسة أشخاص تقريبا على الأرض لم يسبق لهم ركوب الطائرة. كثير منهم لا يطيقون الانتظار.
إذا لم يكن النمو الأخضر موجودا، فإن الطريقة الوحيدة لمنع كارثة المناخ هي "تقليص النمو" الآن، وليس في عام 2050: إيقاف معظم رحلات الطيران، وأكل اللحوم، وشراء الملابس حتى تتوافر لدينا بدائل خضراء. كذلك حظر السيارات المملوكة ملكية خاصة والتخلي عن الضواحي مترامية الأطراف. حدوث كساد اقتصادي طويل قد يكون كافيا لإبقاء الأرض صالحة للعيش. نحتاج أيضا إلى تحويل الأموال من الاستهلاك إلى بناء البنية التحتية الخضراء. هذه هي فكرة جريتا ثونبيرج تقريبا.
لكن هذا من شأنه أن يضعنا في عالم جديد. النمو الاقتصادي والديمقراطية وثاني أكسيد الكربون كانت مترابطة دائما. بالكاد كان هناك نمو وديمقراطية قبل أن يؤجج الفحم الثورة الصناعية. هل تستطيع الديمقراطية الحياة دون كربون؟
لن نكتشف ذلك. لن يصوت الناخبون لتحطيم أسلوب حياتهم. لا يمكننا إلقاء اللوم على السياسيين أو الشركات السيئة. الأمر متعلق بنا: سنفضل دائما النمو على المناخ.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES