الثقافة الكورية .. انتشار يخطف قلوب ملايين

الثقافة الكورية .. انتشار يخطف قلوب ملايين
الثقافة الكورية .. انتشار يخطف قلوب ملايين

تروي الأساطير الكورية أن أول اتصال للعرب بكوريا كان منذ قرون، أكدته إحدى الأغنيات الفلكلورية القديمة، التي روت قصة التاجر العربي الذي قدم إلى كوريا وتزوج منها وعاش فيها، إلا أن هذه الأسطورة لم تكن سوى بداية التعرف على حضارة عريقة، اجتاحت بعد قرون تالية أنحاء العالم العربي، بعدما وجدت لها جمهورا واسعا من الكبار والصغار يقدر بملايين، حققوا أرقاما قياسية في نفاد تذاكر الحفلات، والطلب على المحتوى الكوري.
شتان بين كوريا في بدايات القرن الماضي وكوريا اليوم، فالدولة التي كانت دولة مكافحة من العالم الثالث، باتت منذ تسعينيات القرن الـ20 دولة حديثة وعصرية وعالمية، رابع أكبر دولة منتجة للمعدات الإلكترونية في العالم، وحققت المعجزات في انتشار ثقافتها حول العالم، وانتزعت اهتمام الشعوب وحبها في وقت قصير، من خلال حجز مكان في خريطة الثقافة العالمية، عبر لغتها وطعامها ولباسها وتراثها الفريد، وفنونها المتنوعة كالموسيقى والسينما والدراما التلفزيونية.

تجدد وانفراد
لم تقدم كوريا منتجات تكنولوجية وسيارات فقط، إنما قدمت إلى العالم فنا ومأكولات وألعابا ذات طابع خاص، وجدت قاعدة جماهيرية عريضة في أوروبا وأمريكا في تسعينيات القرن الماضي، ثم الصين، ووصلت أخيرا إلى الدول العربية، لتشابه السمات الاجتماعية والأخلاقية، وموضوعاتها الإنسانية، وتميز موسيقاها وإيقاعاتها، وتجددها وانفرادها.
هذا الاهتمام الاستثنائي بالثقافة الكورية من قبل الدول العربية، خصوصا السعودية، بدا جليا في الآونة الأخيرة، بعد أن شهد موسم الرياض عند بدئه منتصف أكتوبر الماضي زخما قويا وتفاعلا كبيرا مع حفل فرقة BTS الكورية، الذي أقيم في ملعب الملك فهد الدولي في الرياض، حيث شهد الملعب حضورا مبكرا لمئات المعجبين قبل نحو تسع ساعات من بدء الحفل، لحجز مكان متميز استعدادا لليلة فنية شيقة، كما شهد أعدادا هائلة من الحضور ونفادا كليا للتذاكر في وقت قياسي غير مسبوق، منذ عودة الحفلات الغنائية في المملكة، متفوقين على مشاهير الفن العربي والسعودي، الذين أقاموا حفلات في شتاء طنطورة، ومواسم جدة والباحة والسودة والطائف والرياض.
لم تختلف الصورة كثيرا في مصر والإمارات ودول عربية أخرى، شهدت حفلات لفرق موسيقية كورية، أثبتت في كل مرة توغل الكوريين ثقافيا بصمت طوال الأشهر والأعوام القليلة الماضية، حتى بات الشباب يتقنون مفردات لغوية كورية، ويلمون بتفاصيل هذه الثقافة، مثل "الهانبوك" زي المناسبات التراثية، وطبق "الكيمتشي" الشهي.

موجة «الهاليو»
يشبه الإعلام العالمي هذه الموجة والنمو الهائل للثقافة الكورية بـ "التدفق"، وأطلق عليها لقب "الهاليو"، في دلالة على نجاح استراتيجية الحكومة الكورية وتأثيرها في المجتمعات، التي استطاعت تحقيق إيرادات صخمة تقدر بمليارات الدولارات للاقتصاد الكوري، وأسهمت في تحويل هذا البلد الفقير عام 1965 إلى دولة غنية، بعد أن كان نصيب الفرد من الناتج المحلي في كوريا أقل من نظيره في غانا، لتصبح كوريا ضمن أكبر 15 اقتصادا في العالم.
أحد أسرار التحول في الاقتصاد الكوري يعود إلى تخصيص 1 في المائة من ميزانيتها السنوية للتسويق والترويج السياحي والثقافي، وأمضت 20 عاما في الإنفاق ذاته لتحقيق أهدافها طويلة المدى، عبر الدراما والموسيقى والألعاب، وسلكت طرقا غير مألوفة لاقتحام الأسواق الأوروبية والأمريكية، مثل تضمين اللغات المختلفة في المحتوى، ووضع كلمات إنجليزية وفرنسية في الموسيقى والمسلسلات، ومثال ذلك أغنية "قانقام ستايل" الشهيرة، التي حازت لقب أكثر مقطع مشاهد في تاريخ "يوتيوب"، بنحو 3.5 مليار مشاهدة، لتسهم موسيقى الكيبوب في الانتشار والتوسع للثقافة الكورية، وسط تقديرات تشير إلى أن هناك مائة فرقة موسيقية تظهر كل عام في كوريا الجنوبية.
كما رسخت كوريا ثقافتها وعلومها في العالم من خلال الدراسات والكتب التي تنشرها عبر مؤسساتها المختلفة، منها أكاديمية الدراسات الكورية، التي نشرت أكثر من 400 كتاب أكاديمي منذ تأسيسها في عام 1978، بحسب كتاب "مشاهد ثقافية كورية"، متجاوزة إنتاج بعض الجامعات المرموقة، في خطوة جريئة لإعادة تعريف مكانة الدراسات الكورية ليس في داخل كوريا، بل على مستوى العالم.

المسلسلات الكورية أول الخيط
هيفاء صالح عسيري طفلة تحدثت عن حبها وكثير من بنات جيلها للفن والثقافة الكورية، وقالت إن حب هذه الثقافة نما في قلبها بعد أن قررت شاشات فضائية عربية عرض مسلسلات كورية مثل "أوتار القلوب" و"فوق الزهور" و"حكايات الخريف" و"ملكة ربات البيوت"، وغيرها، لتقع في حب اللغة وتفكير الممثلين، وقادها شغفها إلى التعرف على الفرق الكورية، وموسيقى البوب، لتصبح أحد محبي هذه الفنون عبر مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
تعلم الثقافة الكورية دفع هيفاء وصديقتها نورة إلى الالتحاق بدروس عبر الإنترنت لتعلم اللغة الكورية، ورغم تقدمها البطيء خلال الشهور الماضية إلا أنها أتقنت كتابة الحروف ونطقها، وتتمنى أن تؤسَّس مراكز ثقافية كورية في المملكة لتسهيل عملية التحدث والكتابة وتكوين الجُمل.
بحسب تقارير صحافية، قدمت الحكومة الكورية في أواخر التسعينيات تسهيلات للقنوات الفضائية، بغرض عرض مسلسلاتها المدبلجة، التي أذيعت في 13 دولة لاتينية، ثم انتقلت إلى آسيا الوسطى ودول أوروبا الشرقية، وأخيرا إلى الدول العربية.
لا تقدم الدراما الكورية مجرد قصص درامية، إنما ثقافة بلد بأكمله، وتقدم موضوعات إنسانية وعائلية وقصصا تدور حول الصداقة والرومانسية، كما تقدم إلى المشاهد الحضارة الكورية، والمرح المصحوب بالموسيقى والغناء والرقص، بعيدا عن موضوعات العنف والمخدرات والجنس، التي كانت إحدى سمات المسلسلات الأمريكية، وكموجة رابعة تلت موجات ثلاث في العالم العربي؛ مكسيكية وتركية وهندية.
وقد استفادت مواقع البث الرقمي مثل "نتفلكس" و"هولو" من الأعمال الدرامية الكورية في جذب فئات من المشاهدين، إرضاء لذائقة الجمهور الذي يبحث عن هذا المحتوى، في نمط درامي محبب لهم، إذ يراوح عدد حلقات المسلسل الواحد ما بين 15 و20 حلقة فقط، تسمح بتعلق المشاهد بها، وتنتهي حلقاته بمشاهد حاسمة ومواجهات ومواقف مفصلية، تجعل المشاهد ينتظر الحلقة المقبلة بكل شوق.

دور الموسيقى في تنشيط السياحة
الإثنين الماضي، نشرت وكالة يونهاب للأنباء الكورية استطلاعا حديثا، أظهر نتائج مثيرة للاهتمام، بيّن أن تسعة من كل عشرة محبين لموسيقى البوب الكورية يرغبون في السفر إلى كوريا الجنوبية، وهو ما ينشط القطاع السياحي في البلاد، ويدفع الحراك الاقتصادي فيها.
الاستطلاع الذي أجرته منظمة كوريا للسياحة على 12,663 من محبي موسيقى البوب الكورية في 111 دولة في العالم، أجاب فيه 89.8 في المائة من المستطلعين بأنهم سيزورون كوريا الجنوبية لغرض السياحة، وبلغت نسبة المستطلعين الذين أجابوا بأنهم سيزورون كوريا الجنوبية في غضون عام واحد 76.4 في المائة، وقالت منظمة كوريا للسياحة "إن 86.8 في المائة من المستطلعين الذين زاروا كوريا الجنوبية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، قالوا إن موسيقى البوب الكورية أثرت في زيارتهم.
أما حول طريقة تعرف الجمهور على نجوم البوب الكوري لأول مرة، أجاب 30.6 في المائة و29.4 في المائة من المستطلعين بأنهم تعرفوا عليهم عبر موقع يوتيوب والتلفزيون على التوالي".

الأكثر قراءة