الشرير الأبيض

احذروا الأبيضين الملح والسكر تلك العبارة التي شاعت حتى نسبها البعض إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - رغم أنها لم ترد عنه كما ذكر ذلك علماء الحديث، وهذا ما زاد قناعة الناس بخطر تلك المادتين. لا نختلف في الغالب على ضرر السكر، لكن هل الملح ضار بالدرجة نفسها أم ماذا؟!
اكتسب الملح لقب "الشرير الجديد" منذ عام ١٩٨٢ حين ظهر على غلاف مجلة "تايم". وفي عام 1988 نشرت دراسة الإنترسولت الشهيرة، وشملت هذه الدراسة الهائلة 32 دولة وقامت بقياس استهلاك الملح ومقارنته بضغط الدم. وكان مستوى ضغط الدم يرتفع بشكل مطرد مع ارتفاع استهلاك الملح في شتى المجتمعات، وعند تخفيض نسبة استهلاك الملح إلى ٦٠ في المائة لوحظ انخفاض ضغط الدم بنسبة ضئيلة جدا بلغت ٢ملم زئبق، لكن لم تتوافر أي بيانات تربط ذلك بالجلطات والنوبات القلبية.
وبناء على هذه الدراسة طالبت الهيئات الغذائية الأمريكية في عام 1994 ألا يزيد استهلاك المواطن عن ملعقة شاي صغيرة في اليوم. وفي الحقيقة الصادمة أن جميع المجتمعات المعافاة في العالم تأكل كمية من الملح أكثر مما توصي به هذه التوصية. كما أن معدل أعمار البشر زاد خلال الـ50 عاما الماضية رغم تناولهم لكميات أكبر من الملح!
وواجهت نظرية وجوب تخفيض الملح عدة عقبات منها أن المجتمعات ذات الاستهلاك المرتفع من الملح مثل محاربي السامبورو القرويين في نيبال وهنود كونا لم يعانوا أي عواقب صحية كارثية حتى مع تقدمهم في العمر. ويتمتع الشعب الياباني بأعلى معدل للأعمار في العالم ويتبعه الشعب السنغافوري، رغم تميزهم بالغذاء المالح، بينما يعاني ثلث سكان أمريكا الشمالية ارتفاعا ملحوظا في ضغط الدم، رغم خفضهم لتناول الملح منذ الحرب العالمية الثانية.
وبإعادة النظر في نتائج الدراسة وتمحيص الشريحة الداخلة فيها واستثناء قرابة النص منها تبين للباحثين أن استهلاك الملح لا يسبب ارتفاع ضغط الدم كما أن تقليل الملح قد يضر بالصحة، فدمنا يحتوي على نسبة عالية من الصوديوم والكلوريد خلافا لأي عناصر أخرى للحفاظ على قوام دمنا وضغطه ومحتواه من المواد الغذائية، وأيدتها دراستان لاحقتان، فعودوا للملح باعتدال ولا خوف على قلوبكم، فهناك عوامل أخرى كثيرة تجتمع لتسبب ارتفاع ضغط الدم والأمراض المصاحبة له!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي