FINANCIAL TIMES

أساليب أتمتة الذكاء الاصطناعي تجتاح مواقع العمل

أساليب أتمتة الذكاء الاصطناعي تجتاح مواقع العمل

أساليب أتمتة الذكاء الاصطناعي تجتاح مواقع العمل

عندما بدأ مات رادويل، مسؤول دعم العملاء في سلطة محلية صغيرة في بريطانيا، في البداية في الرد على استفسارات سكان المنطقة، كان ذلك عملا محبطا ومستغرقا للوقت.
إذا اتصل أحد السكان بمجلس مقاطعة آيلزبيري فيل، على بعد 40 ميلا إلى الشمال من لندن، حول قضية مثل إعانة الإسكان التي كان يفتقر إلى الخبرة فيها، فقد يبقي رادويل المتصل ينتظر ما يصل إلى 20 دقيقة.
كان عليه أن يجد شخصا يمكنه إعطاؤه المعلومات ذات الصلة.
على مدار العامين الماضيين، تغيرت طبيعة وظيفته.
عندما يطرح أحد المقيمين سؤالا في مرفق الدردشة عبر الإنترنت التابع للمجلس، يبدأ نظام كمبيوتر متقدم في قراءته.
بالنسبة لنحو 40 في المائة من الاستفسارات، فإن النظام - الذي تم تدريبه على التعرف على أسئلة السكان باستخدام التعلم الآلي، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي - يقدم لرادويل وغيره من موظفي دعم العملاء سلسلة من الإجابات المحتملة المكتوبة مسبقا. تم تصنيف كل منها باحتمال تقديري لكونه الخيار الصحيح. إذا كان ذلك مناسبا، فإن رادويل ينقر عليه، ما يرضي المقيم بسرعة وسهولة أكبر بكثير من ذي قبل.
نظام التعلم الآلي وضع المجلس - الذي توفره شركة ديجيتال جينس، المتخصصة في أنظمة خدمة العملاء في سان فرانسيسكو - في طليعة التحول الجاري في ملايين الوظائف المكتبية في جميع أنحاء العالم.
التقدم الذي لا هوادة فيه للروبوتات والذكاء الاصطناعي في مكان العمل، ركز الانتباه إلى حد كبير على التأثير في العمل اليدوي.
في عديد من أنحاء العالم النامي الذي لم يشهد حتى الآن موجة من التصنيع، وزيادة العمالة التي يمكن أن تجلبها تلك الموجة، هناك خوف من أن يكونوا قد فوتوا فرصتهم الآن، بالنظر إلى الاستخدام المتزايد للأتمتة في المصانع.
ومع ذلك، فإن القوة المتنامية للبرامج مثل ديجيتال جينس، فتحت إمكانية أن الأنظمة الذكية الجديدة ستحسن بشكل كبير من إنتاجية مجموعة من الوظائف المكتبية من الأدوار الكتابية إلى الأدوار المهنية - الأمر الذي سيقلل من بعض الكدح الذي تنطوي عليه المهام الرتيبة، على أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى فقدان بعض الناس وظائفهم.

انتفاضة الروبوت
في كتاب انتفاضة الروبوت العالمية The Globotics Upheaval، الذي نشر في وقت سابق من هذا العام، توقع ريتشارد بالدوين، أستاذ الاقتصاد الدولي في معهد الدراسات العليا في جنيف، أن الوظائف المكتبية سيتم القضاء عليها بشكل أسرع، عن طريق التغيير الرقمي أكثر من أي تحول اقتصادي سابق.
يقول البروفيسور بالدوين: "تأتي القدرة المتفجرة من عدم التطابق بين السرعة التي يتم بها حقن الطاقة التعويضية في النظام، من خلال النزوح الوظيفي وقدرة النظام على امتصاصه من خلال توفير فرص العمل".
يتجاوز التأثير المحتمل أدوار خدمة العملاء الأساسية نسبيا مثل دور رادويل، ويمتد إلى أدوار الخدمات المهنية مثل التأمين والقانون، التي كانت تبدو وكأنها تعتمد كليا على حكم البشر وفهمهم. توصلت الأبحاث التي أجراها الاستشاريون في شركة بي دبليو سي PwC في العام الماضي، إلى أن 30 في المائة من وظائف التمويل والتأمين في الاقتصادات المتقدمة، معرضة لخطر التشغيل الآلي بحلول عام 2029، وأن 50 في المائة من جميع الوظائف الكتابية في البلدان نفسها تتعرض للخطر في الفترة نفسها بسبب التشغيل الآلي.
يقول مايكل لويس، الرئيس التنفيذي لشركة كليم تكنولوجي، التي تعمل نظم التعلم الآلي من شركته على أتمتة عمليات التأمين، إن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستزيل الجوانب المتكررة والمملة، لمعالجة مطالبات التأمين، وتمكن الموظفين من التركيز على "الأنشطة ذات القيمة المضافة".
يقول لويس: "الذكاء الاصطناعي سيمكننا من القيام بأمور لم تكن ممكنة في السابق، أو القيام بأمور تعد ممكنة الآن بجهد وبتكلفة أقل بكثير وتوفر تجربة أفضل للعملاء".
ومع ذلك، فإن نظرة حول مكتب رادويل المفتوح الذي لا يزال مشغولا، يثير أسئلة حول مدى سرعة التغييرات الجارية في المكاتب.
سمحت شركة ديجيتال جينس لفريق خدمة العملاء بترك وظيفتين في الفريق دون إشغال - وإلا فقد تضطر إلى تعيين مزيد من الموظفين للتعامل مع الحجم المتزايد للمكالمات، من عدد السكان المتزايد في المنطقة.
الفريق لا يزال يستخدم ثمانية أشخاص.

تأثير التكنولوجيا في العمل
تدعم هذه التجربة حجج ريتشارد فريمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد الذي يدرس تأثير التكنولوجيا في العمل.
يتوقع البروفيسور فريمان أن يكون بمقدور عدد قليل من الشركات، إجراء تغييرات شاملة مثل التخلص من دائرة المحاسبة بالجملة، وترك عدد قليل من الأشخاص لإدارة أجهزة الكمبيوتر.
وقال في ندوة نظمها برنامج الأعمال والاقتصاد في جامعة أكسفورد في تموز (يوليو) الماضي: "أعتقد أن حالات التعطيل ستكون أبطأ مما يدعي الناس".
يرفض رادويل فكرة أن إدخال برمجة ديجيتال جينس يهدد فرص التوظيف المستقبلية، قائلا إنه جعل الفريق "أصغر، ولكن أكثر تنوعا".
وكما يقول: "يمكننا أن نتعامل مع مزيد من الأمور، وهناك عدد أقل من الناس هنا. لا يمكنني القول إن هذا يعرض وظيفتي للخطر - لقد جعل وظيفتي أفضل".
لا شك أن هناك مجالات حيث إن أنظمة التعلم الآلي، التي يتم تدريبها على تحليل وتحديد أنماط بسرعة في مجموعات البيانات، أكبر من أن يكتشفها البشر، قد أعطت لأصحاب العمل قدرات جديدة غير عادية.
شركة إنجيج تالنت Engage Talent، وهي شركة ناشئة مقرها في تشارلستون، ساوث كارولينا، تحلل أنماط التوظيف والاحتفاظ بها في الشركات، وتتبع الآلاف من مصادر البيانات العامة، مثل تصنيفات الشركات على موقع جلاسدور للتوظيف، وتصنيفات المحللين، وحركة أسعار الأسهم، والإجراءات التنظيمية.
تستخدم المعلومات لإسداء المشورة للعملاء حول أسئلة مثل ما هو الوقت المناسب للتواصل مع الموظفين في شركة منافسة؟
يقول مات بيتش، كبير موظفي الإيرادات في الشركة، إن نماذجها تبلورت سلفا بسلسلة من تسريح الموظفين في شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية.
علامات من نموذجها للموظفين غير الراضين كانت "تتصاعد" قبل أشهر من قيام إيلون موسك، الرئيس التنفيذي للشركة، بالتغريد حول خطط إعادة الهيكلة في تموز (يونيو) الماضي، وفقا لبيتش.
يقول بيتش: "إذا كنت شركة توظيف ولدي بيانات من نظامنا وأرغب في توظيف أشخاص من شركة تسلا، فأود أن أستهدف الأفراد في 1 نيسان (أبريل)، مقابل إصدار الإعلان حين تكون هناك ستة آلاف شركة توظيف أخرى تستهدفهم".
ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر بكثير هو جعل التعلم الآلي في الأدوار الحالية، حيث اعتاد أصحاب العمل والعملاء على الإحساس القوي بالحدس والمرونة لدى الموظفين من البشر.
الأمور واضحة في مجمع المباني الزجاجي الذي يضم مكاتب شركة سويندون للتأمين السويسرية في زيوريخ، التي تتعامل مع كل شيء من معالجة مطالبات التأمين إلى وظائف المكاتب الخلفية مثل الموارد البشرية.
شهد الموظفون في المكتب على بعد 85 ميلا إلى الغرب من لندن، بعض الفوائد المهمة من أتمتة العمليات الآلية، وهو شكل بسيط نسبيا من الأتمتة يتولى بعض المهام الكتابية المتوقعة.
من بين فوائد أتمتة العمليات الآلية أن موظفي الموارد البشرية لم يعودوا يقضون ثلاثة أيام، في بداية كل شهر للتوفيق بين دفاتر الاستقطاعات المجدولة من حزم رواتب الموظفين والاستقطاعات الفعلية، التي من المقرر أن يتولاها النظام.
برنامج أتمتة العمليات الآلية يجري المطابقة نفسها ويظهر الأخطاء الواضحة التي يجب على البشر حلها، فقط.
خفضت أتمتة العمليات الآلية عدد الموظفين اللازمين في أجزاء من الشركات في زيوريخ، على الرغم من أن الشركة تقول إنها تسعى إلى إعادة نشر الموظفين المتضررين، غالبا عن طريق تدريبهم على التشغيل الآلي.
يقول دان هومنيوك، مستشار الأتمتة في زيوريخ، عن فريق الموارد البشرية: "يعرف الفريق بالتحديد أي دفتر أستاذ يحتاجون إلى التحقيق فيه. وهم يذهبون ويتحدثون إلى أعضاء الفريق ويتحققون، من دون قضاء ثلاثة أيام من الجحيم في بداية كل شهر".
من غير الواضح ما إذا كان التعلم الآلي يستعد لتولي المزيد من الأعمال التحليلية والفرز المعقدة، مثل تقييم مطالبات التأمين لحوادث السيارات أو السطو.
أليستر روبرتسون، رئيس قسم التحسين المستمر والأتمتة في الشركة في بريطانيا، واحد من العديد من الأشخاص في هذا المجال الذين يعبرون عن الشكوك، حول ما إذا كانت الأنظمة الحالية على مستوى المهمة.
عندما أدارت زيوريخ مخططا تجريبيا قبل ثلاثة أعوام باستخدام التعلم الآلي لتصفية المطالبات، كان على البشر أن يتخطوا قرار الكمبيوتر في كثير من الأحيان، حتى تكون التكنولوجيا جديرة بالاهتمام.
يقول روبرتسون: "في حين أنه يمكن أن يعطي صورة تقريبية، إلا أنه يظل يتعين على الفرد أن يتدخل. نفذنا البرنامج التجريبي. واكتشفنا ما يمكن للبرنامج القيام به وما لا يمكنه القيام به. لذلك ليس ذلك الشيء الذي قمنا بنشره".

مطابقة الموثوقية
الادعاء بأن التعلم الآلي غير قادر على مطابقة موثوقية ودقة الموظفين البشر، أمر واسع الانتشار.
يقول بن ألجروف، رئيس البحث والتطوير العالمي في شركة بيكر ماكنزي للمحاماة، إنه في مجال التأمين، لا يعمل سوى المشغلين في التعامل مع كميات كبيرة من المطالبات الروتينية ذات المستوى المنخفض، التي وجدت حتى الآن أن هذه التكنولوجيا مفيدة.
قال عدد من شركات التأمين - بما في ذلك فوكوكو اليابانية - إنهم يسلمون معالجة المطالبات الروتينية لأنظمة التعلم الآلي.
تستخدم سلسلة وال مارت Walmart الأمريكية للتجزئة، التكنولوجيا للتعامل مع مطالبات الإصابة الشخصية.
يقول ألجروف: "الشيء الشائع في هذين النموذجين هو الحجم الكبير، والموحد للغاية. نعم، يمكنك الأتمتة. ربما يعتمد مقدار ما يمكنك أتمتته على المعيار الذي تريد تحقيقه".
حتى بالنسبة إلى المؤسسات التي حققت نجاحا في التعلم الآلي، كان هناك كثير من التكلفة والجهد. في حين أن مجلس مقاطعة آيلزبيري فيل على ثقة من أن شركة ديجيتال جينس سددت تكاليفها من خلال تقليص الرواتب، وعملت على تحسين الخدمة للسكان المحليين، إلا أن المجلس واجه تحديا ضخما من حيث تزويد النظام ببيانات كافية حول احتياجات السكان.
تقول ماريفون هاسل، مساعدة مدير المجلس للتحول الرقمي، إن النظام لم يبدأ في إظهار قدر كاف من الفهم ليكون أداة مفيدة إلا بعد مرور أربعة أشهر من البرامج التجريبية: "تحتاج إلى العمل معه لمساعدته على التعلم".
يقول ألجروف إنه بالنسبة إلى شركات الخدمات المهنية الأكثر تخصصا، فإن الجهد المطلوب لتدريب نظام ما هو في الغالب مرتفع بشكل غير مبرر.
إن المديرين "يقللون بشكل هائل" من تكلفة إدخال أنظمة التعلم الآلي، على حد قوله.
"الناس يتفهمون أين تكون الاستثمارات منطقية عندما تكون الصناعة القانونية مجزأة ومفككة للغاية، إلى درجة أن من الصعب تماما العثور على قضايا الأعمال. العثور على قضية تصلح للاستخدام الرئيس الذي له معنى اقتصادي في الوقت الحالي، ليس بالأمر السهل".
بدلا من ذلك، من المرجح أن يجد العمال تكنولوجيات تطورية جديدة، يتم إدخالها تدريجيا إلى جانبهم. يقارن ألجروف العملية بكيفية اختفاء تجمعات الطباعة من المكاتب، ولكن لا يزال يتم توظيف عديد من المساعدين الشخصيين من قبل كبار التنفيذيين.
ويتوقع أن "الوظائف الفردية ستتغير مع المنظمات. تظل بحاجة إلى أشخاص. ستتغير مجموعات المهارات التي ينشرونها وما كانوا يقومون به من قبل".
قال البروفيسور فريمان أمام ندوة في تموز (يوليو) الماضي في أكسفورد، إن الناس غالبا ما يتوقعون إدخالا سريعا للتقنيات الجديدة في البيئات المكتبية.
لقد رأوا أنها مماثلة لأدوار ذوي الياقات الزرقاء (العمال)، حيث غالبا ما يمكن إدراج روبوت في عملية دون تعطيل النظام الأوسع.
هذا إساءة لفهم كيف ناسبت أدوار الوظائف المكتبية في معظم المنظمات. "إذا كنت تجلب أحدث برامج المحاسبة، يتعين على الشركة تغيير طريقة الإبلاغ وتطبيق الضوابط والقيام بكثير من الأشياء. إنها في الواقع عملية تكيف أبطأ بكثير".
بعض المشاركين واثقون بأن التحسينات في تكنولوجيا التعلم الآلي ستؤدي في النهاية إلى أن تكون المهام مثل تقييم مطالبات التأمين في متناول الأتمتة.
يقر روبرتسون من زيوريخ بأن هناك برامج متوافرة: "بدأت في السير على هذا المسار"، على الرغم من أن شركته ليست جاهزة بعد لنشرها.
بالنسبة إلى كثير من المعنيين، فإن تجربة أتمتة العمل المعرفي تعزز ليس فقط إمكانات التقنيات الجديدة، ولكن أيضا المزايا العديدة المستمرة للتعامل مع البشر الأذكياء والمرنين.
يعترف ألجروف بأن المحامين يعتمدون بشكل متزايد على أنظمة التعلم الآلي القادرة على مسح أعداد هائلة من القضايا القانونية ذات الصلة لتقييم فرص نجاحهم في قضية معينة.
يصر على أن أحكام أفضل المحامين وعلاقاتهم مع العملاء لا تزال تتفوق على مثل هذه البرامج.
يقول: "الخصوم الأكثر ثقة في السوق يقولون ’من المحتمل أن تكون لدينا فرصة 50-50 فقط للفوز، ولكن هذه قضية يجب أن نحاربها. نشعر أن العالم قد تغير؛ تغيرت المواقف الاجتماعية قليلا، وتغيرت طبيعة العمل".
مرددا آراء الناس في عديد من قطاعات الوظائف المكتبية، يصر ألجروف على أن القدرة على ممارسة مثل هذه الأحكام الدقيقة تظل "مهارة ذات قيمة عالية".
يقول ألجروف: "أعتقد أنه بالنسبة إلى المستقبل المنظور - وأعني بذلك من خمسة إلى عشرة أعوام – ستبقى تلك المهارة هي السائدة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES