أضواء النمو الاقتصادي «1من 2»

ظل العلماء يستخدمون الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية للأرض ليلا التي غالبا ما يطلق عليها اسم "أضواء الليل" في دراسة النشاط البشري والظواهر الطبيعية على مدار 30 عاما. وقد حذا الاقتصاديون حذوهم خلال العقد الماضي حيث أدركوا أن أضواء الليل يمكن أن تساعد على قياس النمو الاقتصادي، وإعداد خرائط الفقر، وتحليل أوجه عدم المساواة، ومعالجة عديد من المسائل التي يستحيل التعامل معها بوسائل أخرى، ولا سيما في المناطق التي لا تتوافر عنها بيانات كافية. وفي واقع الأمر، لو كان للكائنات القضائية أن تقترب من الأرض من جانبها المظلم لأدركت بالفعل بعض الأساسيات عن الاقتصاد العالمي قبل أن تصل إلى غلافنا الجوي بمسافة طويلة.
وتعكس الأضواء البشرية التي تبدو مثيرة من الفضاء أفكارا متواترة. انظر إلى شبه الجزيرة الكورية لتدهشك الاختلافات الصارخة بين الشمال والجنوب، حيث التناقض بين الظلام والضوء الساطع، وبين العزلة والترابط أو سافر عبر الزمن إلى الماضي، وستتعجب من سرعة انتشار الأضواء عبر الصين والهند. إنها قصة عن التنمية والنمو والانفتاح والعولمة.
كيف تستخدم أضواء الليل في علم الاقتصاد؟ لفهم هذا الأمر علينا أن نطلع مجددا على صور الأقمار الصناعية لمعرفة بعض المعلومات الأساسية عن تكوينها. فكل وحدة بكسل في صور الأقمار الصناعية تمثل مساحة تقل عن كيلومتر مربع من كوكب الأرض، وتقترن برقم يقيس درجة السطوع ليلا. وكلما ازدادت البقعة سطوعا ارتفع الرقم المقترن بوحدة البكسل. وعندما يتم تجميع أرقام جميع وحدات البكسل في بلد ما، يمكن استخدامها كمؤشر لقياس الأنشطة في هذا البلد ليلا. وعند مقارنة هذا المؤشر عبر البلدان والفترات الزمنية، يصبح بمنزلة بارومتر للتنمية والتقلبات الاقتصادية.
وتكمن أهمية أضواء الليل بالنسبة لعلم الاقتصاد في ارتباطها القوي بالأنشطة الاقتصادية على الرغم من أن معظم الأنشطة تحدث خلال النهار، وبوجه عام تعكس أضواء الليل جانبين للتغيرات التي تطرأ على اقتصاد ما: التوسع المكاني، أو الانكماش المكاني، وهو أمر أقل حدوثا. وبالنسبة للاقتصادات التي تكون في طور النمو يزداد عدد المناطق المضيئة بمرور الوقت ويبدأ الضوء يشع من عدد أكبر من وحدات البكسل. وفي المقابل تزداد رقعة الأراضي التي يخيم عليها الظلام ويفقد عدد أكبر من وحدات البكسل نوره في المناطق العالقة في دائرة الصراعات.
والجانب الآخر هو الكثافة. ففي ظل التحول الحضري في المناطق الريفية، وتكتل المدن، وتطور البنية التحتية، تصبح السماء الليلية نفسها أكثر سطوعا وتسجل أجهزة الاستشعار بالأقمار الصناعية أضواء أكثر كثافة.
غير أن العلاقة بين أضواء الليل والتنمية الاقتصادية ليست علاقة مباشرة دائما. ففي دراستي التي أعددتها بالاشتراك مع ينجياو هو من جامعة جونز هوبكنز نعقد مقارنة بين أضواء الليل وإجمالي الناتج المحلي الذي يعد المقياس الرسمي الأكثر استخداما في قياس أداء الاقتصادات. وقد توصلنا إلى أن البلدان الغنية أكثر سطوعا بالفعل من البلدان الأقل تقدما، ولكن توجد استثناءات عديدة. فقياسا بنصيب الفرد، دائما ما كانت بلدان الشمال الأوروبي من أكثر البقع المضيئة على كوكب الأرض. وعلى الجانب الآخر تبدو اليابان على الرغم من كونها بلدا غنيا أكثر سطوعا قليلا من سورية قبل الربيع العربي، وهو ما قد يرجع على الأرجح إلى عادات صون الطاقة والكثافة السكانية المرتفعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي