Author

حوار انتظره العالم

|

كما هي عادته دائما في قوة العبارة وصدقها، وشفافية العمل، أتى حديث الأمير محمد بن سلمان ولي العهد لبرنامج 60 دقيقة الذي بثته قناة CBS الأمريكية، وهو القائد الذي يدرك تماما أن العالم من شرقه إلى غربه سيتابع هذا اللقاء، وهناك عديد من الأسواق المالية حول العالم سيتأثر بهذه الكلمات، كما أن الكثير جدا من الصناديق الاستثمارية سيعدل من محافظه وقراراته بناء على فحوى عباراته، لهذا كان حديثا واضحا جدا لا يقبل التفسير بغير ما وضحه بنفسه، ولهذا يصعب على أي كلمة أو مقال إضافة الكثير إلى كلماته الواضحة.
بلا شك كانت تأثيرات الهجوم على منشأتي "أرامكو" أهم قضية تطرق إليها الأمير محمد بن سلمان، وينتظرها العالم أجمع، هنا تبرز كلمة "حماقة" أفضل تعبير يمكن أن يصف سلوك إيران التي تعتقد أنها بهذه التصرفات الرعناء تهاجم مصالح المملكة وتضر بحصصها في الأسواق العالمية، بينما لم تدرك أنها تهاجم العالم أجمع وقلب قطاع الطاقة العالمي، فتعطيل 5.5 في المائة من احتياج العالم للطاقة، لا يمكن لأي طرف آخر في العالم أن يغطيه، لقد حصل في العالم كثير من النزاعات ولم يتصرف أحد بمثل هذه الطريقة التي تضر بمصالح المعتدي قبل المعتدى عليه، ولقد جاءت نتائج هذا الهجوم أفضل رد على حماقة من قام به، فلقد تأثرت الأسعار بشكل كبير، لأنه لا يوجد بديل للنفط السعودي، وأي تغير في الكميات يوثر في الأسعار بطريقة كبيرة جدا، وهذا ما حدث فعلا فقد ارتفعت الأسعار بصورة فورية وهذا بالطبع يعوض إيرادات شركة أرامكو التي نقصت بسبب انخفاض الإنتاج، ومع ذلك فإن "أرامكو" كانت حريصة على عودة الإنتاج بسرعة كبيرة، لأن المملكة حريصة على التزاماتها العالمية خاصة أمام مجموعة "أوبك+"، كما أن توقيت هذا الهجوم ليس مناسبا للاقتصاد العالمي الذي يعاني اضطرابات شديدة ومخاوف من الركود، فعبارة ولي العهد، إن هذا الهجوم عمل أحمق، هي أدق عبارة لأن الهجوم الإيراني لم يضر سوى إيران التي يعرفها العالم أجمع عدوا للحضارة الإنسانية ومهددا للاقتصاد العالمي وهي الآن في موقف من يترقب غضب العالم وعقابه، فالمنطقة التي تتلاعب إيران وميليشياتها بسلمها تشكل تقريبا 30 في المائة من إمدادات الطاقة في العالم و20 في المائة من المعابر التجارية "العالمية و4 في المائة من الناتج القومي العالمي، وتوقف هذه الأمور يعني انهيارا كليا للاقتصاد العالمي وليس فقط للمملكة أو دول الشرق الأوسط، وكما قال ولي العهد بصريح العبارة: "إذا لم يقم العالم باتخاذ موقف حازم ورادع لإيران فسنرى تصعيدا أكبر، وستهدد مصالح العالم وستتعطل إمدادات الطاقة وستصل أسعار النفط إلى أرقام خيالية لم نرها في حياتنا". انتهى كلامه. وبينما عادت السعودية إلى مكانتها في الإنتاج العالمي وحققت الأسعار تحركا مناسبا يعوض أي تكلفة تكبدتها "أرامكو" في إصلاح العطب المؤقت، فإن إيران اليوم تواجه مأزقا سياسيا واقتصاديا أشد مما كانت عليه قبل الهجوم، وإذا كانت المملكة تفضل الخيارات السياسية على الحل العسكري فإن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة. وإذا كانت إيران وميليشياتها تريد ربط هذه التهديدات بموقف المملكة من اليمن فإن عبارات ولي العهد كانت واضحة ومتسقة تماما مع الموقف السعودي منذ بداية هذه الأزمة والحل بيد إيران وميليشيات الحوثي فإذا كانت تريد الحل السياسي فهو سهل، والمملكة منذ اللحظات الأولى تقدم المبادرات كافة للحل السياسي داخل اليمن، وعلى إيران وميليشياتها التصرف بما يعزز الحل وليس التصعيد الذي لن يثمر.
‎عندما يقول الأمير محمد بن سلمان إنه يتحمل مسؤوليته الكاملة كقائد في المملكة، فلا توجد عبارة أوضح منها تعبر عما يقوم به ولي العهد من عمل جبار، وعلى الأصعدة كافة وشعوره العميق بالمسؤولية تجاه كل قرار صغيرا كان أو كبيرا، وأن مستوى المساءلة في العمل السعودي عالية بلا أدنى شك، وهو هنا لا يتنصل من هذه المسؤوليات مراقبا كل تصرفات الحكومة، لكن هذه المسؤولية لا تعني إعطاء الأوامر الخاطئة، فأي دارس مبتدئ في علم الإدارة يعرف أن القائد يضع الاتجاهات الرئيسة للعمل في المؤسسات كافة التي يشرف عليها، ثم يقوم باختيار الأشخاص الذين عليهم القيام بالأعمال على أن تتم مساءلتهم عن قراراتهم كافة في استخداماتهم للأصول والموارد التي بأيديهم والتأكد أنهم يستخدمونها من أجل المصلحة العامة. فالمسؤولية التي أشار إليها ولي العهد عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ـــ رحمه الله ـــ هي من هذا النوع من مسؤولية المساءلة عما حدث ومن قام به، فهي مسؤولية الحوكمة والشفافية، وقد حدث ذلك فعلا حيث تم تحديد الأشخاص المسؤولين والإعلان عنهم بكل شفافية وتتم محاكمتهم بطريقة عادلة، وكما قال ولي العهد إنه متى ثبتت التهمة على أي شخص بغض النظر عن منصبه فسيحال للمحكمة دون أي استثناء، كما أن المسؤولية على القائد في مثل هذه الأحداث هي باتخاذ الإجراءات كافة لتفادي تكرار مثل ذلك مستقبلا، وهذا ما تم فعلا من إعادة هيكلة الاستخبارات العامة تحت إشراف ولي العهد، وتم الإعلان عن تفاصيل تلك الخطة كافة في حينه. وفي عبارة سيسجلها التاريخ بمداد من ذهب، قال الأمير محمد بن سلمان "إن الصحافيين لا يمثلون تهديدا للمملكة، لكن التهديد على السعودية يأتي من تصرفات شنيعة كهذه ضد صحافي سعودي في قنصلية سعودية".

إنشرها