FINANCIAL TIMES

ثقافة المكاتب .. القهوة والمخبوزات والوجبات المجانية

ثقافة المكاتب .. القهوة والمخبوزات والوجبات المجانية

المقر الرئيسي الجديد لـ"فاينانشيال تايمز" في لندن يقدم مياها غازية. لا أقول هذا للتباهي (أنا أعمل في نيويورك ولا يوجد في موزعات المياه في المكتب إلا الخيارات المعتادة لمياه باردة أو ساخنة فقط) ولكن لأنه كان أول ما ذكره عدد من الزملاء عندما سألتهم كيف يستمتعون بالمبنى الجديد.
أنا أعترف أنني أغبطهم على هذا الجزء الصغير من الترف، مثلما غبطتهم على عربة الكيك المكتبية التي كان مجيئها الأسبوعي مرتبطا بغرفة الأخبار في المملكة المتحدة، لدرجة أنها استحقت حسابا خاصا بها على تويتر.
لا يمكنني التذمر: تم تحسين ماكينة القهوة في نيويورك أخيرا، وتتميز معظم الأسابيع بخيار مجموعة من الكعك أو المخبوزات. لكنني وجدت نفسي أفكر في الكعك وموزع المياه الغازية وأنا أقرأ نشرة الاكتتاب العام الأولي الوشيك لـ"وي ويرك".
منذ عام 2010 كانت "وي ويرك" تزين المباني الباهتة باستخدام طاولات لعبة "شوفلبوأرد" وأجهزة لعبة "بين بول" وثلاجات ممتلئة بـ"الكومبوتشا" وتؤجرها في قاعاتها المدججة بأجهزة الكمبيوتر المحمولة. اشترك أكثر من 500 ألف شخص في 111 مدينة في مكاتبها التي بجمالية المقاهي، ما أعطاها تقييما (على الأقل في نظر ماسايوشي سون، من "سوفت بانك"، أكبر مستثمريها الخارجيين) بقيمة 47 مليار دولار.
ما تفعله "وي ويرك"، كما تزعم، هو استغلال اتجاه يغير ثقافة المكاتب التي نعرفها جذريا. "يبحث الناس بشكل متزايد عن بيئات تضفي طابعا إنسانيا على تجربة العمل"، هكذا توضح وثيقة الإدراج الخاصة بها. "نعتقد أن القوى العاملة اليوم تسعى للحظات من الاتصال والتعاون والراحة، سواء كان ذلك أخذ قهوة من معد قهوة المكتب اللطيف، أو أخذ استراحة يوجا دون الحاجة إلى مغادرة المكتب، أو التعرف على آخرين في المجتمع خلال المناسبات".
موادها التسويقية تروج المميزات بالمثل. "قد يكون في مكتبك القديم أبريق من القهوة"، يكتب في الترويج الخاص بـ"وي ويرك" في ووتر ستريت في مانهاتن "لكن مكتبنا يحتوي على مقهى صغير لقهوة محمصة ومياه بنكهة الفواكه".
مثل كثير من الأشياء في شركة كرست ملفها التنظيمي لـ"طاقة نحن"، فإن هذا يسهل الاستهزاء به. هل شرائح حمضية قليلة في قنينة الماء أبهرت من قبل مؤسسة شركة ناشئة تبحث عن مكان لوضع جهاز ماك بوك الخاص بها؟ أو هل سنعتبر الاكتتاب العام الأولي لـ"وي ويرك" اللحظة التي وصلنا فيها إلى ذروة الميزات، بقدر ما نتذكر طاولات كرة القدم المصغرة وكراسي "هيرمان ميلر إيرون" التي طرحتها شركات الدوت كوم المفلسة في مزاد قبل 20 عاما تقريبا؟
"وي ويرك" محقة، على الأقل، في أن هناك اتجاها لدى الشركات للبحث عن طرق جديدة سطحية على ما يبدو لتحفيز موظفيها.
جيم بارنيت، الرئيس التنفيذي لشركة جلينت، وهي شركة لتفاعل الموظفين، أخبرني أن "الناس لديهم الآن توقعات أعلى بشأن ما ينبغي أن تكون عليه تجربة الموظف". قال: "هذه الرموز الظاهرية، مثل وجبات الغداء المجانية وطاولة كرة القدم والأوقات السعيدة، والتقدير، تصبح جميعها منطقية مع مرور الوقت".
أعمال بارنيت جزء من صناعة نامية تدفع فرق الموارد البشرية إلى التفكير في الفوائد بمنظور أوسع من شيكات الأجور وبرامج التأمين الصحي. في "هيبوب"، إحدى "المنصات لإدارة الأفراد" التي تساعد برمجياتها الموظفين الذين لديهم هوايات مشتركة على تنظيم أندية، يقول الرئيس التنفيذي، روني زهافي، على الشركات التكيف مع العاملين الشباب الذين يعشقون خوض التجارب ويتوقعون أن ترقى مكاتبهم إلى مستوى الراحة الذي توفره منازلهم.
تقول مارثا بيرد، عالمة أنثروبولوجيا داخلية في "أي دي بي" لمعالجة الرواتب، هناك عنصر من عناصر الهندسة الاجتماعية في هذه التغييرات التجميلية لبيئات العمل لدينا. توفير الطعام المجاني أو زيارات طبيب الأسنان يعطي العاملين سببا أقل للتخلي عن مكاتبهم. "هل تشجيع الناس على عدم مغادرة مكاتبهم هو فعلا ميزة؟".
تظهر دراسات استقصائية أننا ما زلنا نقدر الأجر العادل، والإجازة، وفرصة تطوير مهاراتنا أكثر من غرف الألعاب وخدمات غسل الملابس، وسيكون الرئيس التنفيذي متهورا إذا افترض أن جيلا كاملا سيقايض، بسعادة، خطة معاش لائقة بفرصة لجلب كلابه إلى مكان العمل.
لكن الامتيازات الصغيرة مهمة بشكل كبير في ثقافات الشركات، ويميل المسؤولون التنفيذيون إلى اكتشاف متى يحاولون سلب واحدة. في الشهر الماضي أخبرت "أوبر" موظفيها أنهم لن يتلقوا بعد الآن بالونات هيليوم في ذكرى انضمامهم إلى الشركة، لأن تقديم ملصقات سيوفر 200 ألف دولار سنويا. لكن الاستغناء عن مهندس كبير يتلقى راتبا يعادل هذا المبلغ لم يكن من شأنه أن يعرض الشركة لعناوين من نوع "أوبر تفرغ هواء البالونات". قليل من الأشياء تستنزف الروح المعنوية أو ترمز إلى المتاعب أكثر من توفير المال من ميزانية المميزات.
يبدو أن بعض المميزات تمثل أداة انتباه مهينة لصرف الأنظار عن التآكل الذي شاهده كثير من العاملين في نوع المكافآت التي يمكن أن يحصلوا عليها عند التقاعد، لكن حتى الفوائد الإضافية التافهة يصعب إزالتها بمجرد أن تكون ضمن توقعات الناس. من خلال الحديث عن التراجع الذي يلقي بظلاله على الاكتتاب العام الأولى لـ"وي ويرك"، قد نكتشف قريبا أي المميزات التي ستستمر في الأوقات العصيبة. ينبغي للرؤساء التنفيذيين الذين يشدون الحزام (يبدو أنهم غير متأثرين بالكعك عندما يتعلق الأمر بمكافآتهم) الانتباه إلى التحذير في عناوين "أوبر": البالونات والقهوة الجيدة والمياه الغازية يجب أن تكون آخر الأشياء المسلوبة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES