تجربة غريبة .. سوق السندات تتلاعب بصحتنا العقلية

 تجربة غريبة .. سوق السندات تتلاعب بصحتنا العقلية

الأسهم مبالغ في تقييمها، الأمريكية منها على وجه الخصوص. أسعارها مرتفعة بشكل غير عادي مقارنة بالمبيعات، والأرباح، وقيمة دفاتر أصولها، ومقارنة أيضا بالناتج المحلي الإجمالي (هذا الأخير هو المقياس المفضل لدى وارن بافيت).
لذا ينبغي ألا تشتريها. هذا هو السبب في أن أحدث تقديرات من مجموعة الاستراتيجية GMO للعوائد المحتملة لمدة سبعة أعوام من الأسهم قاتمة للغاية: يعتقدون أنك سترى عائدا سلبيا بنسبة 3.8 في المائة من أسهم الشركات الأمريكية الكبيرة وعائدا سلبيا بنسبة 1 في المائة من أسهم الشركات الأمريكية الصغيرة.
إذا انتقلت إلى الأسهم العالمية قد ترى عائدا إيجابيا صغيرا. لكن مجموعة GMO تتوقع أن يكون عليك وضع جزء كبير من أموالك في أسهم القيمة في الأسواق الناشئة المحفوفة بالمخاطر، إذا أردت أن ترى أي شيء يقترب من متوسط العائد الحقيقي على المدى الطويل من الأسهم الأمريكية، البالغ 6.5 في المائة.
كل هذا يبدو واضحا جدا، لكنه ليس كذلك. السبب هو أن التجربة المالية الأكثر غرابة في العالم، التي هي أسعار الفائدة السلبية، لا تزال مستمرة. حاليا البنك المركزي الأوروبي يفرض على المصارف سالب 0.4 في المائة على ودائعها. البنك السويسري الوطني يفرض أكثر بكثير؛ 0.75 في المائة.
أسعار الفائدة السلبية تصبح المعيار الطبيعي بالنسبة للودائع المؤسسية – رؤية النقد في متناول اليد كتكلفة استغرق بعض الوقت للاعتياد عليه، لكن الآن يتم تمريرها بدون تعليق تقريبا في اجتماعات مجلس الإدارة. الأمر نفسه قد يحدث لودائع الأفراد. "يو بي إس" يدخل سعر فائدة سلبيا على الودائع الكبيرة ومن المرجح أن تحذو حذوه المصارف المنافسة. العوائد على سندات الحكومة الألمانية سلبية في جميع الفترات الزمنية. عوائد سندات الحكومة البريطانية لأجل عشرة أعوام تبلغ الآن أقل من 0.5 في المائة للمرة الأولى على الإطلاق. عوائد السندات الأمريكية لأجل عشرة أعوام ليست سلبية، لكنها عند أدنى مستوياتها على الإطلاق. بالمجمل، ما يساوي 16 تريليون دولار من السندات الحكومية تستهلك أموالك الآن بنشاط إذا احتفظت بها حتى تاريخ الاستحقاق.
علينا أن نتوقع مزيدا من الأمر نفسه. معظم المحللين يتوقعون تخفيف السياسة النقدية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أيلول (سبتمبر) الجاري. ألبرت إدواردز، من "سوسيتيه جنرال" (أحد أوائل المتنبئين بكل هذا)، يقول إن بإمكاننا اعتبار هذا فقاعة سوق سندات ضخمة تتلاعب بصحتنا العقلية. يمكن القول أيضا إنه أمر طبيعي تماما: لماذا لا يدفع المستثمرون لتخزين النقود؟ يفعلون ذلك مع الأسهم والسيارات الكلاسيكية والأعمال الفنية.
ربما، كما قال ألان جرينسبان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق، هذا الشهر: "الصفر ليس له معنى". أو يمكنك رؤية ذلك كشيء أكثر رعبا ـ "رد فعل مناسب" على حقيقة أن الركود المقبل سيتحول بسرعة إلى انكماش عالمي. هذا يتطلب مزيجا من السياسة المالية العامة المتطرفة وتوزيع الأموال، ما يؤدي إلى خفض أسعار الفائدة حتى أكثر من قبل.
كل هذه الدراما النقدية يمكن أن تطغى عليها الهستيريا السياسية العامة في جميع أنحاء العالم. هذه الأخيرة مهمة، بالطبع. المرحلة الأخيرة من معركة بريكست مهمة بالنسبة للمملكة المتحدة: بوريس جونسون ومؤيدو المغادرة يتمتعون بالسلطة (بالحد الأدنى)، لكن مؤيدي البقاء المتشددون قاموا بعمل جيد بشكل ملحوظ لإحباط نتيجة الاستفتاء حتى الآن. التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي كان قبل ثلاثة أعوام، ولا يزال الوضع كما هو حتى الآن.
لا نزال غير متأكدين مما يجب توقعه، وهذا يؤثر في الاقتصاد على المدى القصير. يمكنك أن تعزو الارتفاع بنسبة 0.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة في الربع الأول، والانخفاض بنسبة 0.2 في المائة في الربع الثاني، إلى الاستعدادات المحمومة للموعد النهائي السابق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 29 آذار (مارس).
من الواضح أن الطبيعة غير الثابتة للحرب التجارية الأمريكية (ربما ستصبح قريبا حربا باردة) مع الصين لها أثرها، أيضا. جولة من استعادة التصنيع وأنشطة أخرى إلى الداخل يمكن على نحو متوقع أن تكون مفيدة للولايات المتحدة على المدى الطويل. الفترة الانتقالية قد لا تكون كذلك.
لكن هذه أحداثا سياسية، كالتي شهدتها - وخرجت منها - البلدان المتقدمة ذات المؤسسات السليمة من قبل. أسعار الفائدة السلبية مختلفة. النقود الورقية موجودة منذ نحو ألف عام. لم يقدم أي أحد، على حد علمنا، على الإطلاق أسعار فائدة سلبية عليها من قبل. من الناحية النظرية، هذا يصبح أول شيء ينبغي أن يفكر فيه المستثمرون. من الناحية العملية، يجعل من المستحيل أيضا أن يكون لديك أي شعور باليقين حول ما يجب فعله.
قد يعني ذلك ضرورة أن تبدأ بالنظر في شراء خزنة جميلة: إذا كنت تتكبد التكاليف للاحتفاظ بأموالك في البنك، لماذا لا توفر على نفسك القليل من النقود وتحتفظ بها في المنزل؟ قد يعني ذلك أن عليك أن تشتري صناديق سندات. قد تكون البنوك المركزية عاكفة الآن على التفكير، كما أشار جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع، في "ما إذا كان علينا توسيع مجموعة أدواتنا". في عالم مثقل بالديون وشيخوخة السكان، هذا يعني أن العوائد ستستمر في الانخفاض وأسعار السندات سترتفع – على الأقل إلى أن يتم إطلاق التضخم في النهاية.
ربما يعني أيضا أنه يجدر بك أن تشتري كميات كبيرة من الأسهم، أية أسهم قديمة: إذا كانت هي فئة الأصول الوحيدة التي تعطي دخلا موثوقا وغالبا ما يكون متصاعدا، عندها ربما تظل هي أفضل فئات الأصول الموجودة. ربما تكون هناك بعض القيمة الحقيقية إذا تجاهلتَ الأسهم الأمريكية وأسهم التكنولوجيا التي تتم الطنطنة لها كثيرا؛ ابحث عن صناديق الأصول الكثيرة المعروضة (في المملكة المتحدة على الأقل) التي تعطي عوائد بنسبة 4 إلى 5 في المائة.
لكن الأمر المهم الذي يجب أن تتمسك به في عصر المفاجآت الحالي هو الشك. عدد كبير فوق الحد من المستثمرين (وبالتأكيد عدد كبير فوق الحد من مستخدمي تويتر) يشعرون بمستوى لا مبرر له من اليقين حول أمور كثيرة فوق الحد. لا ينبغي لهم ذلك. أي شخص يظن فعلا أن بإمكانه أن يتنبأ بما سيحدث في السنة المقبلة – ناهيك عن العقد المقبل – في هذا العالم الجديد الذي تسود فيه العوائد السلبية، يرجح له أن ينتهي به المطاف إلى خيبة الأمل.

الأكثر قراءة