أموالك وهندسة الحسابات الشخصية

في السابق كنا نسمع عن الذين يرفضون وضع نقودهم في المصارف لأسباب مختلفة، منها وجهة نظرهم الخاصة ومنها جهلهم بمميزات هذا الخيار الآمن والمنظم لإدارة الثروة والمصروفات الشخصية. ما الذي خسروه؟ كانت أموالهم معرضة للفقد والضياع، يصعب رصد حركتها وتسويتها بشكل دوري ومنتظم، ويضيع عليهم كثيرا من الفرص الاستثمارية. قد لا تكون هذه الفئة موجودة اليوم ولكن هناك من يستخدم الحسابات المصرفية بشكل تلقائي ولا يحسن إدارتها. وتختلف الأسباب – ضعف في استخدام التقنية، أو انشغال أو مجرد تجاهل - لكن النتيجة واحدة.
من مكونات الثقافة المالية الشخصية معرفة الأدوات والحلول المتاحة، وعلى قمة المهارات والسلوكيات المالية استخدام التقنية وتسخيرها بشكل فعال لإدارة مالية إيجابية. وهذا يتطلب تكامل جانبين: الأول وجود الحل والأداة التقنية وإتاحتها للاستخدام، والثاني قدرة المستخدم على الاستفادة منها وتفعيل ذلك بشكل حقيقي، مستمر، ومنتظم. الجانب الأول أراه ناضجا ومتطورا مع أننا ننتظر وبشكل مستمر خدمات أفضل من المصارف؛ إجمالا، مستوى خدماتها التقنية مناسب حاليا لتحقيق الفائدة. الجانب الآخر يعتمد على رغبة الشخص في التطوير والاستفادة. إذا انتفت الرغبة سقطت الأهداف وتحولت إلى أحلام غير مدعمة وغير قابلة للتحقق.
سأذكر سبع نقاط بسيطة ينبغي التركيز عليها لإعادة ترتيب وتصميم استخدام الحسابات المصرفية الشخصية لتصبح أداة مساعدة على الإدارة المالية الشخصية. النقطة الأولى، ينبغي تحديد عدد الحسابات التي يحتاج إليها الفرد التي لا تقل عن ثلاثة أو أربعة حسابات نشطة بحيث يكون لكل حساب هدف محدد ومميزات معينة. ويمكن لأي شخص توزيع الأهداف حسب خطته وترتيباته الشخصية، المهم أن يلتزم بذلك. من الترتيبات المقترحة: حساب الراتب والدخل المنتظم، حساب للمصروفات الاعتيادية، حساب للطوارئ، حساب للادخار النقدي. ويفضل أن يكون حساب الطوارئ وحساب الادخار النقدي في بنك آخر ودون بطاقات سحب، حتى يقلل من استخدامها بقدر المستطاع. النقطة الثانية، أن يتم استخدام خاصية التحويل المنتظم بشكل فعال ودائم. وهذا يعني تقدير مبلغ المصروفات حسب الخطة المالية وتحويل مبلغ شهري ثابت من حساب الراتب إلى حساب المصروفات. ومثل ذلك التحويلات الأسرية الثابتة للزوجة أو الأبناء، واستقطاع مبلغ الطوارئ واستقطاع مبلغ الادخار أو الاستثمار. تطورت خدمات التحويل المنتظم في الخدمات الإلكترونية للمصارف بشكل جيد إذ أصبح من الممكن في بعض المصارف جدولة التحويلات وضبط المنبهات بشكل دوري منتظم.
النقطة الثالثة، وهي جمع بيانات العمليات بشكل دوري ومراجعتها. أفضل الخيارات في الوضع الحالي تنزيل العمليات على صيغة "الإكسل" وجمعها في ملف واستعراضها وتفنيدها حسب طبيعتها. المراجعة والمراقبة من أساسيات السيطرة على أي عمل، ومن دون مراجعة جيدة ومنتظمة للعمليات يفوت الشخص عديد من الفرص الثمينة، مثل: اكتشاف الأخطاء وهي واردة الحصول سواء من المصرف أو البائع، كذلك تمكنك من مراجعة العمليات المصرفية واكتشاف العمليات الروتينية غير الضرورية، مثل اشتراك في مجلة لم تعد تقرأها أو باقة تلفزيونية لا تهتم بها. وتمكنك في الوقت نفسه من اكتشاف العمليات الشاذة ومراجعة أسبابها والسيطرة عليها في المستقبل، مثلا عدد المرات التي أصلحت فيها السيارة بمبلغ مرتفع خلال العام التي كان يمكن تفاديها لو قمت بالصيانة الدورية المنتظمة.
النقطة الرابعة، ترتيب لوحة التحكم dashboard بشكل يبين مختصر حركة وأرصدة الحسابات المصرفية، إضافة إلى بطاقات الائتمان والقروض والتأجير. ولهذا الأمر أهمية كبرى إذ يطلعك على وضعك المالي العام مع هذا المصرف، إضافة إلى أنه ينبهك إلى وجود خطأ ما، مثل خصم قسطين في الشهر نفسه، أو يذكرك بضرورة معالجة قرضك المالي بطريقة أخرى، مثل إعادة الجدولة أو السداد المبكر. النقطة الخامسة، نظم صفحة سداد الفواتير. من المحاسن التي نعمنا بها منذ سنوات طويلة "نظام سداد" للمدفوعات، واليوم يمكن لكل شخص إدارة الفواتير التي يقوم بسدادها ويراقبها ويحتفظ بسجل السداد بشكل ملائم على هاتفه وفي حسابه المصرفي. نظم الفواتير على صفحة السداد بتسمية واضحة لكل فاتورة وقم بطلب تغيير تاريخ صدور الفاتورة من مصدرها إذا تطلب الأمر حتى تقوم بالسداد بشكل منظم مرة واحدة في الشهر. بعض البنوك تصنف سداد الفواتير بشكل واضح ضمن العمليات ما يسهل عملية تحليل تكلفة الفواتير على فترات طويلة، ستة أشهر أو سنة مثلا.
النقطة السادسة، ابحث بشكل جدي عن خيارات تعود بفائدة لك وتخفف في الوقت نفسه من وطأة الرسوم على طريقة إدارتك للحسابات. وهذا يعني أن تعي تفاصيل الرسوم التي يتم تحميلها على عملياتك المصرفية، وأن تختار المصرف الذي يوفر عليك الرسوم بشكل معقول، وأن تبحث عن خيارات ادخارية استثمارية قليلة المخاطر مثل المرابحات لتحافظ على أموالك من التآكل. النقطة السابعة والأخيرة، لا تحتفظ بأكثر من حساب للغرض نفسه، لأن هذا يجعل عملية المتابعة والمراقبة أكثر تعقيدا ويضعف مع الوقت سيطرتك على حساباتك وأموالك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي