العبودية الحديثة

يظن البعض أن زمن العبودية قد انتهى لكن في الواقع أن العبودية غيرت جلدها لتكون عبودية حديثة تمارسها الشركات العالمية ضد سكان دول العالم الفقيرة من خلال تشغيل الأطفال والعمل لساعات طويلة مع دفع أتعاب قليلة للعمالة وفي ظل ظروف معيشية غير إنسانية وغير آمنة تتم ممارستها من خلال سلاسل التوريد في البلدان النامية لهذه الشركات العالمية. تركز معظم الجهود المبذولة عالميا للتعامل مع العبودية الحديثة على إثبات أن الخدمة أو المنتج غير متورط بعمل عبودي من خلال ساعات العمل المفرطة، وخطر السخرة، والسكن غير الآمن وغير الصحي، كأن تعيش الأغلبية العظمى من العمال في مستوطنات تفتقر إلى المياه الصحية والكهرباء.
الشركة كمنظمة هادفة للربح تسعى إلى تحقيق الأرباح كهدف اقتصادي مشروع لكن إضافة إلى ذلك هناك هدف مهم مركب من ثلاثة مكونات وهي الغاية البيئية من خلال الحفاظ على البيئة والمناخ، والغاية الاجتماعية من خلال مسؤوليتها الاجتماعية، والغاية المتمثلة في الحوكمة من خلال الشفافية والعدالة والمساءلة وهذا الهدف المركب يشار إليه بالاختصار ESG "البيئية والاجتماعية والحوكمة" ويظل التحدي الأكبر للشركات هو الجزء الاجتماعي في هذه المعادلة الذي يندرج تحته موضوع العبودية الحديثة. حفاظا على سمعتها ودرءا للأخطار المحتملة تهتم صناديق الاستثمارات العالمية بوجود تشريعات تجرم العبودية الحديثة بكل أشكالها كتشغيل الأطفال أو استغلال الفقراء أو التحرش الجنسي وخلافه كما تهتم بوجود تقارير شفافة بخصوص هذه المواضيع ونظام حوكمة متكامل ومسؤول للشركات التي تنوي هذه الصناديق الاستثمار فيها.
استحدثت المملكة المتحدة قانون الرق المعاصر عام 2015، حيث تطلب من جميع الشركات الكبيرة الإبلاغ عما إذا كانت لديهم عبودية حديثة في سلاسل التوريد الخاصة بهم. لكن بعد مرور أربعة أعوام، فشل هذا القانون في إحداث تغيير ايجابي. بالمقارنة يتضمن قانون العبودية الحديثة الأسترالي معايير إلزامية للإبلاغ عن هذه القضايا جعلته أكثر فعالية.
في هولندا على سبيل المثال توجد منظمة غير ربحية تهتم بمسائل العبودية الحديثة والتعامل العادل في الشركات من خلال تطوير نظام يعمل بمنهجية "البلوك تشين" يقوم بتسجيل الشركات الراغبة في نظام موحد يساعد كل شركة على اكتشاف وتخطيط وتقييم ومراقبة مكان العمل البشري وسلسلة التوريد البشرية الخاصة بها عن طريق ربط أماكن العمل البشرية بعضها بعضا وتتيح للعاملين الإبلاغ عن التجاوزات دون تحديد هويتهم وهذا حتما يزيد وضوح وشفافية سلاسل التوريد وحوكمتها لتقوم هذه المنظمة بعد ذلك بتطوير سلسلة من الملصقات للشركات عندما تصبح خالية من العبودية، حيث تكون قادرة على عرضها على منتجاتها.
على الرغم من الجهود الحقيقية التي بذلها عديد من الشركات العالمية لتحديد وتخفيف مخاطر السمعة الناتجة عن العبودية الحديثة، إلا أن سلاسل التوريد في شركات التجزئة ما زالت مخترقة من قبل المتاجرين بالأطفال والمافيا والعصابات الذين يستغلون ضعف حقوق الإنسان في أوطانهم النامية من خلال الموردين من الدرجة الثانية.
في منتصف هذا العام، قامت الشرطة البريطانية بتفكيك أكبر عصابة عبودية حديثة في المملكة المتحدة، تضم 400 عامل بولندي مهرب بعد تحقيق دام أربعة أعوام. بعض هؤلاء الضحايا تم توظيفهم من قبل موردين من الدرجة الثانية في سلاسل المتاجر الغذائية الكبرى مثل "تيسكو" و"ازدا" و"سينزبيري" والأخيرة تمتلك فيها الحكومة القطرية النسبة الكبرى. كما أن هناك انتقادا عالميا لعدد من الدول من ضمنها الحكومة التركية بسبب استغلال أكثر من مليون لاجئ سوري من الأطفال في الحقول والمصانع تحت ظروف إنسانية صعبة.
من الحلول المطروحة للقضاء على العبودية الحديثة سن التشريعات المجرمة لهذا العمل وتوسيع اختصاص المحاكم بما يتجاوز الموردين المحليين إلى الموردين في البلدان الأخرى. ومطالبة الشركات بأن يكون لها عضو معين في مجلس الإدارة يكون مسؤولا عن إصدار بيان العبودية الحديثة. إذا فشل عضو مجلس الإدارة في بذل العناية المهنية اللازمة في هذه الحالات فقد يواجه عدم الأهلية كما تواجه الشركة غرامات بعدم الامتثال. توصية أخرى هي أن تكون الشركات غير الملتزمة غير مؤهلة لتقديم عطاءات لعقود المشتريات الحكومية وغيرها من الامتيازات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي