default Author

الأثرياء والركود الكبير "1 من 2"

|

يركز السرد التقليدي لتفسير الركود الكبير الذي بدأ في الولايات المتحدة في عام 2007 على دورة الانتعاش والكساد لأسعار المساكن وآثار إنفاق الطبقة المتوسطة، التي يتركز معظم ثروتها في المساكن. ولم يسند إلى الأثرياء سوى دور محدود، إن وجد، في دورة الانتعاش والكساد في الإنفاق. فالفئات الميسورة تضطلع بدور يقتصر على توليد "الادخار الزائد".
ووفقا لذلك التفسير، فإن الزيادة الهائلة في دخل الأثرياء التي بدأت في الثمانينيات، حفزتهم على إقراض مدخراتهم الزائدة إلى الطبقة المتوسطة المضغوطة بشدة، التي استخدمت هذه الأموال للحفاظ على نمو استهلاكها والمضاربة في العقارات.
في بادئ الأمر، كان كل شيء يسير على ما يرام، حيث كان الانتعاش في قطاع العقارات قوة دافعة للتوسع القائم على التشييد. لكن بحلول عام 2007، لم يعد الأمر على ما كان عليه، وأصبحت الطبقة المتوسطة تواجه أعباء تفوق تحملها وتوقفت عن شراء المساكن، ما أدى إلى انهيار الأسعار بصورة كانت من الحدة بحيث أصبح كثير من ملاك المساكن فجأة غارقين في ديونهم العقارية - أي أنهم كانوا مدينين للمقرضين العقاريين بأموال تفوق قيمة مساكنهم، وتخلف بعضهم عن السداد، بينما سارع آخرون إلى زيادة معدلات ادخارهم حتى يتمكنوا من سداد ديونهم، مما هي قيد الاستهلاك، وكانت النتيجة ركودا عميقا.
إلا أن السرد التقليدي غير مكتمل. فلم يكن انخفاض ثروة المساكن فقط، الذي جعل الركود الكبير بهذا العمق، إنما أيضا تراجع الثروة المالية. علاوة على ذلك، لم يكن الأثرياء مجرد متفرجين سلبيين، إنما كانوا مشاركين نشطين في دورة الاستهلاك. وفي الحقيقة، نظرا إلى حجم حيازات الأثرياء من الأصول، كانت التقلبات في إنفاقهم على الأرجح أحد المحركات الرئيسة للانتعاش وللكساد الذي تلاه.
وأسهمت آثار الثروة بدور رئيس في الانخفاض الذي سبق الأزمة، وفي الزيادة التي تلتها في معدل ادخار الأسر المعيشية. فقد ارتفعت أسعار الأصول بصورة حادة خلال أعوام الانتعاش، ما أشعر الناس بأنهم أكثر ثراء، وحفزهم على زيادة الاستهلاك وخفض معدل ادخارهم.
وعندما انهارت أسعار الأصول أثناء الأزمة، سارت آثار الثروة في الاتجاه العكسي، ما أدى إلى هبوط الاستهلاك "دراسة 2011 Case, Quigley, and Shiller"، وتقول دراسة "Mian and Sufi 2014" إن التقلبات التي شهدتها أسعار المساكن كانت حاسمة بوجه خاص، ذلك أن حيازة العقارات تختلف عن شراء الأصول المالية من حيث إنها تمول بدرجة كبيرة بالاقتراض. ونتيجة ذلك، أدى تراجع أسعار المساكن إلى صعوبات مالية أرغمت الأسر المعيشية على تقليص إنفاقها. وتقول الدراسة إن هذه الديناميكية تفسر السبب الذي جعل الركود الكبير أشد حدة بكثير من الكساد المسمى كساد الـ"دوت كوم" "انهيار أسعار الأسهم في عام 2000 عقب طفرة استمرت ثلاثة أعوام تقودها شركات الإنترنت".
وإن كانت الخسائر في ثروة الأسهم تقريبا هي خسائر ثروة المساكن نفسها في فترة لاحقة من العقد نفسه،
إلا أن التفسير يمكن أن يكون أبسط بكثير. فكساد الـ"دوت كوم" خفت حدته بسبب زيادة الأصول غير المالية "أغلبها في المساكن"، بينما زاد من وطأة انهيار سوق المساكن هبوط الأصول المالية.
وفي الواقع، مثلت الأصول المالية ثمانية تريليونات دولار من مجموع خسائر الثروة التي بلغت 13 تريليون دولار في عملية الهبوط من الذروة إلى القاع. ويعني ذلك بعبارة أخرى، أن أحد الأسباب التي تجعل تراجع الاستهلاك أثناء الركود الكبير أعمق بكثير من تراجعه في كساد الـ"دوت كوم"، هو أن خسائر الثروة كلها كانت أكبر بكثير.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما معدل الادخار لدى الأثرياء؟ ولماذا تراجع معدل المدخرات المجملة للأسر المعيشية في الأعوام السابقة للأزمة، حتى مع حدوث تحول في توزيع الدخل باتجاه الأثرياء الذين يفترض أنهم يدخرون بمعدلات مرتفعة؟ التفسير المعياري هو أن انخفاض الادخار من جانب الطبقة المتوسطة كان أكبر بكثير من الزيادة في ادخار الأثرياء. ولا توجد بيانات مجملة عن الادخار حسب فئة الدخل. ومع ذلك، يفتقر التفسير المعياري إلى المعقولية.

إنشرها