أوجه الاستثمار المباشر ودوافعه «2 من 2»

تتضمن الآثار الإيجابية الأخرى المرتبطة بالاستثمار المباشر الموجه للداخل زيادة فرص العمل وتحسين الإنتاجية ونقل التكنولوجيا والمعارف والنمو الاقتصادي بوجه عام. وغالبا ما يؤدي تزايد المنافسة من قبل الشركات الأجنبية، سواء الجديدة أو التي جرى الاستحواذ عليها، إلى إرغام الشركات المتنافسة على زيادة إنتاجيتها حتى لا تخرج من السوق. ويمكن أيضا أن يقوم الموردون ومقدمو الخدمات لمشروع الاستثمار المباشر بزيادة إنتاجيتهم، غالبا لأن المستثمر يشترط طلبات أكبر حجما أو أعلى جودة. وتؤدي الزيادة في حجم المنتجات والخدمات وتغيرها في الاقتصاد إلى تحسن عام في جودة السوق وحجمها. وتستفيد البلدان المضيفة أيضا من عملية نقل المعارف والتكنولوجيا، التي تنشأ غالبا عن دوران القوة العاملة.
وفي كثير من الأحيان تكون الفرص التدريبية التي توفرها الشركات الداخلة أكبر من تلك التي يوفرها أصحاب العمل المحليون. ويتم لاحقا نقل هذه المعارف إلى الشركات المحلية عندما يغادر الموظفون المدربون المؤسسة الأجنبية للعمل في مشاريع محلية. وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تنقل المعارف بطريقة عرضية من خلال شبكات غير رسمية، عندما يتبادل الموظفون الأفكار والآراء بشأن الممارسات المطبقة في مكان العمل.
إلا أنه قد لا ينظر إلى الاستثمار المباشر في جميع الأحوال بصورة إيجابية من منظور البلد المضيف. فنظرا لأن الشركات الإنتاجية تشارك في الاستثمار المباشر، فإن تزايد المنافسة الذي توفره يمكن أن يزيح الشركات المحلية الأقل إنتاجية من السوق. ويرى المعارضون للاستثمار المباشر أن الاستثمار الأجنبي، ولا سيما الاستثمار في المشاريع القائمة، إنما هو نقل للملكية لا يولد فرص عمل جديدة. وعلاوة على ذلك، يشير بعض النقاد إلى المخاطر التي يمكن أن تنشأ عن التبدل المفاجئ في الاستثمار المباشر وبيع الأصول بأسعار بخسة، مما يحد بشدة من قيمتها، وفي الحالات البالغة الشدة يرغم المرافق على الإغلاق ويرغم الشركات على تسريح العاملين. وغالبا ما يكون الاستثمار المباشر مقيدا في بعض الشركات والصناعات، مثل الشركات والصناعات التي تعمل في منتجات حساسة عالية التكنولوجيا وفي الشركات المتصلة بالدفاع.
نظرا إلى أن الاستثمار المباشر يعتمد على قرار البلد المضيف لجذب الاستثمارات واستيعابها، فغالبا ما تحتفظ الشركات الأجنبية بعلاقات وثيقة مع السلطات المحلية. وربما يكون لهذا التشابك بين الأعمال والسياسة أثر عكسي على البلد المضيف. ولعل وجه الاعتراض الأكثر شيوعا في الآراء المعارضة للاستثمار المباشر هو القوة المحتملة والنفوذ السياسي للمستثمرين الأجانب. فتأثير المستثمرين في صانعي السياسات يمكن أن يكون مصدرا للمشكلات عندما تحقق شركة أجنبية سيطرة كبيرة على قطاع من الاقتصاد أو عندما تصبح صاحب عمل شديد الأهمية، أو حتى صاحب العمل الأكبر، في السوق.
على الرغم من المشكلات التي يمكن أن تترتب على عدم خضوع الاستثمار المباشر للتنظيم، تسعى حكومات كل من الاقتصادات المتقدمة والنامية في الأغلب إلى جذب المستثمرين الأجانب ورأس المال الذي يحضرونه معهم.
وتجذب الاقتصادات المتقدمة الاستثمار المباشر بسبب سياساتها المستقرة، وعمالتها الماهرة، وأسواقها الكبيرة. أما الاقتصادات النامية فهي أكثر اهتماما بالاستثمار في أصول جديدة، الذي يوفر مرافق وفرص عمل جديدة. وغالبا ما تنشئ الحكومات مناطق اقتصادية خاصة، وتوفر الحيازات العقارية اللازمة لإنشاء المرافق، وتعرض في الأغلب حوافز ضريبية سخية أو دعما كبيرا لجذب رأس المال. وتتيح هذه المناطق الاقتصادية الخاصة، إذا صممت بالشكل المناسب، تركيز الصناعات في منطقة جغرافية واحدة، يكون فيها الموردون قريبين من المشترين، كما توفر البنية التحتية اللازمة لتلبية احتياجات المستثمرين.
وفي كثير من الأحيان، تقوم البلدان التي تملك ميزة نسبية، مثل وجود سياسات مواتية أو عدد كبير من العاملين المهرة، بوضع برامج لتعزيز الاستثمار، يمكن أن تتضمن حملات تسويق، ومكاتب إعلامية، حتى مفاوضات ثنائية بين الحكومات والشركات الأجنبية. وعلى عكس الحوافز الضريبية وغيرها من الحوافز المالية المقدمة للمستثمرين الأجانب، لا تؤدي الحملات الإعلامية إلى تآكل الإيرادات الضريبية من الاستثمار المباشر.
ووفق دراسة لصندوق النقد الدولي، فإن 63 في المائة من الاستثمار المباشر العالمي يحدث بين الاقتصادات المتقدمة، ويحدث بين 20 في المائة بين الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة "بما في ذلك البلدان منخفضة الدخل". ويحدث 6 في المائة بين اقتصادات الأسواق الصاعدة، ويتدفق 11 في المائة من مجموع الاستثمار المباشر من اقتصادات الأسواق الصاعدة إلى الاقتصادات المتقدمة.
وتبدو ضخامة نسبة الاستثمار المباشر الحاصل بين الاقتصادات المتقدمة مخالفة للبديهة. لكن بالنظر إلى الحجم الكبير لهذه الاقتصادات، يكون من المنطقي أن يهيمن الاستثمار المباشر الأفقي الذي تستفيد فيه الاقتصادات المتقدمة من جموع العمالة الماهرة والتكنولوجيا المتقدمة والأسواق الكبيرة في اقتصادات متقدمة أخرى على الاستثمار المباشر العالمي.
ويمكن أن توجد صعوبة في تفسير بيانات الاستثمار المباشر بسبب الاستثمارات في ملاذات ضريبية. ورغم أن مستوى الاستثمار في هذه البلدان كبير، فغالبا لا يكون للمستثمرين وجود مادي فيها. وبالنظر إلى الطبيعة التمريرية لهذه الاستثمارات، لا تنطبق التكاليف والمنافع المعتادة المرتبطة بالاستثمار المباشر، بخلاف تحصيل الرسوم والضرائب.
وربما يكون القائمون بالاستثمار الأجنبي المباشر، كما يزعم نقادهم، يشترون الأصول المحلية كلها، على نحو يخرج الشركات المحلية من السوق أو يفرضون سياساتهم على الحكومات. إلا أن المنافع الكلية التي تعود إلى كل من الاقتصاد المضيف والاقتصاد المستثمر من الاستثمار الأجنبي المباشر تفوق التكاليف بكثير. فالتدفقات الرأسمالية الداخلة من القائمين بالاستثمار الأجنبي المباشر تساعد على تمويل إنفاق البلد المعني - على الاستثمار، على سبيل المثال - وزيادة الإيراد الضريبي، وإيجاد فرص عمل، وإحداث تداعيات إيجابية أخرى للاقتصاد المضيف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي