العمالة المفقودة وتغييرات سوق العمل «1من 3»

ليس من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو. فمع تعافي الاقتصاد الأمريكي، يزداد معدل التوظيف، وعلى الأشخاص الذين توقفوا عن البحث عن عمل عندما كانت الأحوال صعبة أن يتشجعوا ويبحثوا عن عمل من جديد. وبدلا من ذلك، فإن نسبة من يبلغون 16 عاما فأكثر من بين سكان الولايات المتحدة، الذين يعملون أو يبحثون عن وظيفة - أي نسبة المشاركة في القوة العاملة - تواصل الانخفاض. فقد انخفضت من نحو 16 في المائة في بداية الأزمة المالية العالمية إلى 12.9 في المائة في حزيران (يونيو) 2015، وهي أدنى نقطة بلغتها منذ عام 1977.
واللافت للنظر بدرجة أكبر، أن نصف المكاسب التي تحققت في نسب المشاركة بين عامي 1990 و2000، أي تلك المدفوعة بالتغيرات الاجتماعية الكاسحة، مثل طفرة المواليد بعد الحرب العالمية الثانية ودخول المرأة في القوة العاملة، انعكست في الأعوام السبعة الماضية، وخرج ما يعادل 7.5 مليون عامل من القوة العاملة في الولايات المتحدة. ترجع أهمية ديناميكيات سوق العمل الأمريكية في المستقبل إلى سببين حاسمين. أولا، أن حجم القوة العاملة سيكون محوريا في تحديد وتيرة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة. ونظرا إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، فإن مساره يكتسب أهمية حاسمة بالنسبة إلى النمو العالمي.
ثانيا، سيكون مدى إمكانية عكس اتجاه التراجعات الأخيرة في نسبة المشاركة عاملا رئيسا يؤثر في الأجور وتضخم الأسعار في المستقبل، وبالتالي في توقيت ووتيرة رفع أسعار الفائدة من قبل "الاحتياطي الفيدرالي"، وهو البنك المركزي للولايات المتحدة. ويؤثر مستوى أسعار الفائدة في الولايات المتحدة واتجاهها تأثيرا كبيرا في التدفقات الرأسمالية حول العالم، ولا سيما في حركة دخولها اقتصادات الأسواق الصاعدة وخروجها منها.
وشهدت نسبة المشاركة الكلية في القوة العاملة تراجعا منذ عام 2000، أي قبل وقت طويل من بداية الركود الكبير. وكان العصر الذهبي لزيادة المشاركة في القوة العاملة بين عامي 1990 و1990، عندما زادت النسب من 60 إلى 66 في المائة. وكان ذلك انعكاسا لبلوغ جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية سن الرشد وزيادة وجود المرأة في القوة العاملة. غير أن هذا النمو في حجم القوة العاملة بدأ ينحسر في التسعينيات عندما بدأ جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية يتقاعد وبدأت نسب مشاركة المرأة تتراجع.
وبالفعل، فمنذ انفجار فقاعة "دوت كوم" والركود الاقتصادي في عام 2001 "عندما أفلس كثير من شركات الإنترنت"، واصلت نسب المشاركة في القوة العاملة انخفاضها.
وبالنسبة إلى الرجال، استمر هذا الاتجاه لفترة أطول: أخذت نسب مشاركة الذكور في التراجع منذ بدأت عمليات التسجيل في عام 1948. وكان الاتجاه إلى الانخفاض بين الذكور ممن هم في ربيع العمر يمثل شاغلا خاصا، وركزت بحوث كثيرة على تراجع الفرص في سوق العمل وما ارتبط بذلك من ركود في نمو أجور العمال ذوي المهارات المنخفضة في الثمانينيات، فضلا عن زيادة الاستقطاب في التسعينيات.
ويركز هذا المقال على التراجع في نسب المشاركة الكلية منذ عام 2000. وثمة مزيج من العوامل التي تتفاعل في هذا الشأن. فقد كانت التغيرات الهيكلية، التي ارتبطت معظمها بشيخوخة السكان، جزءا مهما من الاتجاه إلى الانخفاض. وتكتسي مسألة الشيخوخة أهمية، لأن مشاركة الرجال والنساء تقل بشكل ملحوظ في العقد الذي يسبق سن 15 عاما "بنحو 40 نقطة مئوية على الأقل"، وتقل مشاركتهم بنسب أكبر بعد ذلك. ونتيجة ذلك، يؤدي التغير في التوزيع العمري نحو العمال الأكبر سنا إلى خفض نسبة المشاركة الكلية حتى إذا لم تتغير نسبة مشاركة مجموعات الأعمار الفردية. وفي الواقع، فإن نسبة مشاركة العمال كبار السن ارتفعت بالفعل أثناء الأزمة، لكن نسبة المشاركة الكلية واصلت الانخفاض.
غير أن العوامل الدورية ذات الصلة بتوافر الوظائف وتحركات الأجور كانت لها أهميتها أيضا، خاصة في أعقاب الركود الكبير. ويكون التمييز بين القوى الهيكلية والقوى الدورية ذا أهمية بالغة لدى صناع السياسات، لأن كلا منهما يتطلب استجابة مختلفة على صعيد السياسات. وبالتالي، فمن الأسئلة الرئيسة التي تطرح على الاقتصاديين هو ما حجم التراجع الذي يعتبر كل من هذه العوامل مسؤولا عنه.
وقد خلصنا إلى أن الشيخوخة مسؤولة عن نحو نصف الانخفاض في المشاركة منذ الركود الكبير. ويجري حساب هذا التأثير بالاحتفاظ بنسبة مشاركة كل مجموعة عمرية ثابتة عند مستوى سنة معينة - 2007 في تحليلنا - وترك حصص السكان في كل مجموعة تتباين وفقا لنمطها التاريخي. ويظهر ذلك أن نسبة السكان البالغين من العمر 55 عاما فأكثر، زادت زيادة كبيرة منذ عام 2007 "زادت هذه النسبة بين الرجال، مثلا، بنحو نقاط مئوية لتصل إلى 33 في المائة تقريبا".
ولتقدير أهمية العوامل الدورية، نستخدم بيانات على مستوى الولايات ونحلل التباين في نسب المشاركة والعوامل الدورية عبر الولايات والزمن. ويشير هذا التحليل إلى أن العوامل الدورية مسؤولة عن نسبة إضافية من التراجع تراوح بين 30 و40 في المائة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي