Author

عرفات .. اليوم المشهود

|

عرفات كلها مشهد، مكانا وزمانا، فأي مكان وقف فيه الحاج في مشعر عرفات فقد شهده، ومن حضر اليوم في المشعر فقد شهده، ومن تابع أحوال الناس فيه فقد شهده، ومن دعا للحجاج وشكر الله فقد شهده، ولهذا سمي يوم عرفات يوم المشهد، يوم عظيم من أيام الله، فقد روت عائشة - رضي الله عنها - عن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو يتجلى، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ أشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم"، فهو يوم للشاهد والمشهود، نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يعيدهم إلى أهليهم وذويهم بالبركة، وأن تعم الرحمات والخيرات جميع بلاد الإسلام، وأهل الملة.
عرفات كلها مشهد، شهدها أكثر من 100 مليون حاج طوال أكثر من 50 عاما مضت، تشرفت السعودية باستقبالهم، ومع حجهم وعبادتهم؛ فهم أيضا يشهدون منافع لهم، كما قال تعالى "ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير". منافع تحتاج إلى جيش كبير من الكادر البشري كي يقوم على خدمة الحاج، ومنافع الحاج، حتى يعود إلى أرضه مشهودا وشاهدا. مشهودا في يوم عظيم من رب عظيم، وشاهدا على ما قدمته السعودية - حكومة وشعبا - من خدمات حققت للحاج جميع معاني الحج، التي جاء ذكرها في القرآن الكريم وسنة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قيما ومنافع.
عرفات كلها مشهد، ويشهد فيها اليوم أكثر من 2.5 مليون حاج بجهود أكثر من 350 ألف رجل أمن يعملون على راحتهم وأمنهم، وستة مراكز أمنية ترتبط بها ستة آلاف وحدة من كاميرات النقل الحي والمباشر ‏التي تنقل الأحداث مع تنقل الحجاج ‏وتراقب فاعلية وسائل النقل التي سخرتها حكومة المملكة للحجاج، وليشهدوا منافع لهم عند التنقل بين المشاعر. ويشهد بحجم العمل والتحدي من يعلم أن عدد الرحلات المجدولة بين المشاعر بلغ أكثر مليوني رحلة عبر أكثر من 17 ألف حافلة يعمل فيها أكثر من 70 كادرا لنقل الحجاج، إضافة إلى ثلاثة آلاف مواطن مسجل متطوعا ضمن برنامج "كن عونا" تشرف عليهم الهيئة العليا لمراقبة نقل الحجاج، التي تعمل تحققا لمعنى وقيمة "ليشهدوا منافع لهم"، فهي تضمن سلامة السيارات التي تستعمل لنقل الحجاج، وتأمين المراقبة على عمليات نقلهم، والتأكد من تقديم أصحاب الشركات تعهدا يضمن صلاحية حافلاتهم للعمل، والتأمين على جميع الحافلات، ومتابعة تشغيل الحافلات في المطارات والميناء والاستراحات على الطرق، ومراكز التوجيه والتفويج، ومراكز المساندة، والتأكد كذلك من توافر مرشد لكل حافلة، والتنسيق مع المختصين في إرشاد الحافلات.
عرفات كلها مشهد، وتشهد اليوم ما يزيد على 22 ألف رجل وأكثر من ثمانية آلاف امرأة من منسوبي وزارة الصحة وهيئة الهلال الأحمر السعودي والهيئة العامة للغذاء والدواء، وأكثر من 1141 فريقا طبيا وإسعافيا وميدانيا يقدمون خدماتهم في يوم المشهد لحجاج بيت الله الحرام، يدعمهم 16 مستشفى داخل مكة والمشاعر، و125 مركزا مجهزا بجميع الإمكانات الصحية والطبية والإسعافية. خدمات صحية وعلاجية ووقائية وإسعافية تقدم مجانية تصل إلى عمليات القلب المفتوح، والقسطرة القلبية، والغسيل الكلوي، إضافة إلى عمليات الولادة وغيرها من الخدمات الطبية المتخصصة التي يحتاج إليها الحجاج المرضى. حشود من الموظفين تعمل في يوم مشهود من رب العالمين تتولى فيه الهيئة العامة للغذاء والدواء مهام الرقابة على "الأغذية والأدوية والأجهزة والمنتجات الطبية" التي مع الحجاج وبعثات الحج، وكذلك التفتيش على المنشآت الغذائية وإجراء الدراسات الميدانية المتعلقة بسلامة الأغذية.
 كل هذا بالتعاون والتنسيق التام مع وزارة التجارة والاستثمار، التي منحت أكثر من ألفي تصريح لمنافذ بيع في المشاعر المقدسة لتقديم الخدمات التموينية، وتشرف فرقها الرقابية على أكثر من 500 شاحنة في مواقعها المحددة، وتتابع السيارات الجائلة المحملة بالسلع الغذائية للتحقق من جودة السلع المعروضة وعدم المغالاة في أسعارها. ويشهد الحجاج في يوم المشهد بسقيا الحاج وكميات المياه المنقولة من محطات تحلية المياه المالحة إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة التي تقدر بـ800 ألف متر مكعب، ويصل إجمالي كميات المخزون الاستراتيجي إلى 1.82 مليون متر مكعب، ويتم سحب أكثر من 100 عينة يوميا وتحليلها.
في هذا اليوم العظيم المشهود من رب العالمين، يقف خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين متابعين حال الحجاج، أمنهم ومناسكهم ومنافعهم، ويتابعون التقارير التي ترد تباعا من جميع الجهات الحكومية العاملة في الحج، رافعين لله أيديهم بالدعاء. اللهم احفظ الحجاج واحفظ لهذه البلاد أمنها واستقرارها، ورد كيد الكائدين والخائنين، وأدم لهذه البلاد عزها تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

إنشرها