Author

الحرب التجارية وسلاح العملة

|

استقر اليوان الصيني بعد ساعات من هبوطه أكثر من 1 في المائة، ليكون هبوطا تاريخيا بالفعل، لأنه الأدنى منذ 11 عاما. واستقراره السريع لا يعني أنه سيحافظ على قيمته في الفترة المقبلة، لأن السلطات الصينية عازمة، كما يبدو، على إبقائه في الحدود الدنيا الممكنة، على الرغم من الاتهامات السريعة التي أطلقتها الولايات المتحدة لبكين، بأن الأخيرة تقوم بتخفيض قيمة عملتها في إطار الحرب التجارية الدائرة بينهما. إلا أن الحكومة الصينية تقول عكس ذلك، وتؤكد أنها لن تستغل العملة كأداة في هذه الحرب، التي لا تبدو لها نهاية قريبة، رغم أن المفاوضات بين واشنطن وبكين قائمة، بصرف النظر عن مدى زخمها المتواضع. فالإجراءات الانتقامية المتبادلة بين حكومتي أكبر اقتصادين في العالم، عطلت كثيرا من أدوات التفاوض، وتركت الساحة أمام مزيد من هذه الإجراءات في الفترة المقبلة.
هبوط العملة الصينية أدى إلى هبوط عملات أغلبية دول المنطقة، لكن الأهم من هذا هو انعكاساتها الإيجابية على صادرات البلاد ولا سيما تلك التي تذهب إلى الولايات المتحدة. وهذه النقطة على وجه الخصوص، كانت، كما يذكر البعض، على رأس برنامج الرئيس دونالد ترمب الانتخابي، الذي تعهد بالعمل على وقف التلاعب بالعملات، شمل هذا التعهد حتى حلفاء واشنطن الأوروبيين، الذين يتعرضون أيضا لاتهام ترمب في هذا المجال. فالرئيس الأمريكي يعتقد أن بلاده تتعرض لـ"ظلم" تجاري منذ عقود، وأنه حان الوقت لإصلاح في منظمة التجارة العالمية يزيل هذا "الظلم". كما أنه يعتقد أن الولايات المتحدة ضحت كثيرا في هذا المجال، ولابد من التوقف عند هذا الحد. غير أن هذا الطرح لا يتفق معه الصينيون ولا حتى الشركاء الأوروبيون لواشنطن.
الجميع ينفي تهم التلاعب بالعملات. وبعيدا عن هذه النقطة، فهبوط اليوان الصيني يأتي بعد أيام قليلة من إعلان ترمب أنه سيفرض مزيدا من الرسوم الجمركية على السلع الصينية. بل إنه هدد بفرض رسوم أخرى على السلع الأوروبية ولا سيما الفرنسية. فوصول الدولار إلى سبعة يوانات وصفه البيت الأبيض بأنه "انتهاك خطير". وأعرب عن اعتقاده أن ذلك لن يكون في مصلحة الصين على الإطلاق، لأنه سيضعف اقتصادها بصورة كبيرة مع مرور الوقت. لكن المسألة لا تتعلق هنا بمدى خسائر الاقتصاد الصيني، بقدر ما ترتبط مباشرة بما يجري على الساحة التجارية بين بكين وواشنطن. فهبوط اليوان يعني ببساطة جعل السلع الصينية أكثر جاذبية على الساحة الأمريكية، ومن الصعوبة الاعتقاد عكس ذلك، لأن المعطيات معلنة وواضحة.
تفسير السلطات الصينية لهبوط اليوان، لم يقبله، بالطبع، الرئيس الأمريكي. فهي تقول: "إن التراجع يأتي نتيجة الإجراءات التجارية الأحادية والحمائية، التي تتبناها الولايات المتحدة. وتلتزم بتبرير أن مثل هذا التغيير في قيمة العملة يأتي ضمن معايير العمليات في سوق الصرف الأجنبي. غير أن هذا كله لن يغير من الموقف الأمريكي شيئا. فالعنوان الرئيس على الساحة الأمريكية هو أن الصين تخفض قيمة عملتها من أجل تسويق بضائعها عالميا، وبالطبع أمريكيا، بينما لم يحدث أي اتفاق بعد معها بشأن "الظلم" التجاري الذي تتعرض له الولايات المتحدة. لا يبدو أن حلا لهذه المسألة سيظهر على الساحة قريبا. فالإجراءات الأمريكية بفرض رسوم إضافية على السلع الصينية بقيمة 300 مليار دولار ستمضي قدما، بعدما تم بالفعل أخيرا فرض ما قيمته 250 مليارا على هذه السلع. إنها حرب تجارية صارت العملة فيها سلاحا رئيسا كما يبدو.

إنشرها