أهمية التفاوض عبر شبكات التواصل الاجتماعي «2 من 2»

كما توقع الباحثون، كان مستوى الثقة أعلى بين الشركاء الذين يعرفون بعضهم بعضا ولعبوا ألعابا متكررة مع بعضهم. وشوهد ثاني أعلى مستوى من الثقة بين اللاعبين المجهولين الذين لعبوا معا بشكل متكرر، بحيث سجلت الثقة مستويات أدنى بين اللاعبين المجهولين الذين شاركوا لمرة واحدة فقط.
والأهم من ذلك، وجد الباحثون أن قوة الروابط الاجتماعية ارتبطت بشكل وثيق بالتسامح، وهو عامل حاسم في المفاوضات. وكما ذكرنا سابقا، حتى عندما يرغب البشر في أن يكونوا متعاونين، هناك حالات قد يفشلون فيها في تجسيد الشريك المثالي، وذلك لأسباب متنوعة، ومن ضمنها التوتر الشديد. ففي نظرية اللعبة، يمثل مفهوم "اليد المرتعشة" أو الانحرافات العرضية عن السلوك التعاوني المثالي، أخطاء حتمية تحدث في أي مفاوضات. وفي الواقع، نسبت معظم حركات الغش في الدراسة إلى "اليد المرتعشة". كما اتضح أن شركاء اللعب ممن تربطهم روابط اجتماعية، كانوا أقل ميلا للقصاص في حالات ارتكاب الأخطاء.

كيف يساعد ذلك المفاوضين؟
أظهرت إحدى النتائج اللافتة للدراسة أن مجرد وجود رابط اجتماعي على "فيسبوك" كفيل بزيادة الثقة بين المشاركين والتأثير في سلوكهم. وعلاوة على ذلك، كلما كانت الروابط الاجتماعية أقوى، ازداد عدد المشاركين المستعدين للتغاضي عن هفوات الشريك. ووجد الباحثون أن المشاركين الذين شاركوا منشورات شركائهم على "فيسبوك" أو الذين تمت الإشارة إليهم في الصور المنشورة نفسها، كانوا أكثر تسامحا من المشاركين الذين لديهم أصدقاء مشتركون فقط.
وفي عام 1973، كشفت دراسة أجريت من قبل مارك جرانوفيتر من جامعة جونز هوبكنز عن "قوة الروابط الضعيفة"، ما يشير إلى أن الروابط الضعيفة أكثر أهمية من الروابط الوثيقة عندما يتعلق الأمر بنشر المعلومات مثل البحث عن الوظائف. وفي الوقت الذي يكون فيه أصدقاؤك المقربون أكثر استعدادا للمساعدة، إلا أنهم يميلون أيضا إلى حيازة المعلومات وعدم مشاركتها، وبالتالي قد يكونون أقل فائدة من الأشخاص في محيط شبكتك. ومن شأن هذه الدراسة والدراسة الجديدة التي نوقشت أعلاه أن تبرز أهمية وجود روابط اجتماعية قوية وضعيفة. وتلعب العلاقات القوية دورا في تعزيز التعاون في الألعاب المتكررة أو المفاوضات، في حين أن العلاقات الضعيفة تعزز فعالية جمع المعلومات.
إن الثقة التي تمت دراستها في الدراسة البحثية الخاصة بالألعاب تشبه إلى حد بعيد مفهوم المنفعة المتبادلة في التفاوض على القيمة. وتستند المنفعة المتبادلة إلى إدراك كلا الطرفين أن العمل سويا سيساعدهما على تحقيق أهدافهما المنفصلة بشكل أفضل من التنافس أو اللعب بمفردهما. ويمكن أن تنشأ الثقة فيما بعد خلال تفاعل الطرفين والتعرف أكثر على سلوك وقيم ونوايا كل منهما.
إضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة البحثية الخاصة بالألعاب أنه عندما يظهر اللاعبون الذين تجمعهم روابط اجتماعية سلوك التسامح إزاء "حركة الغش"، سيسهم ذلك في ردع شركائهم عن تكرارها. وكما ذكر أعلاه، فإن العلاقات الاجتماعية تلهم الأطراف عدم الشك في النوايا في حالة ارتكاب الأخطاء. وعلى العكس، فإن عدم وجود علاقة اجتماعية يزيد من احتمال الشك في حال حدوث عدم تعاون عرضي والميل للاعتقاد بأنه غش متعمد، ما يؤدي إلى تدمير المفاوضات. فالعلاقات الاجتماعية تحفز الناس على حماية سمعتهم كشريك جدير بالثقة، الأمر الذي يؤتي ثماره على المدى الطويل.

تطبيقات تجارية
يجب على الشركات عند القيام بحملات بيع المنتجات أن تلاحظ أهمية الروابط الاجتماعية في تعزيز سلاسة التعاملات. على سبيل المثال، عندما أطلقت "هواوي تكنولوجيز" هاتفها الذكي الجديد في عام 2014، اختارت استخدام منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة "وي تشات" كقناة رئيسة للمبيعات والتواصل مع العملاء. وتعمد شركات أخرى إلى الإعلان عن منتجاتها وخدماتها عن طريق مواقع "فيسبوك" و"لينكد-إن" أو تنظم مسابقات لزيادة عدد المعجبين والمتابعين، لما لذلك من تأثير إيجابي في العملاء المحتملين.
وبالنظر إلى المنافع الواضحة للروابط الاجتماعية، يبدو من الحكمة تعزيز العلاقات مع الناس قبل أن تقصدهم لغرض ما. وبالتالي، إذا كنت جزءا من شبكة تواصل اجتماعي أو انضممت للتو، فمن الجيد البدء في تكوين روابط اجتماعية، حتى لو كانت ضعيفة، مع أفراد ربما يقدمون لك المساعدة أو يتفاوضون معك في مرحلة لاحقة. ومن المهم أن تعمل على بناء الروابط الاجتماعية في مؤسستك وبيئة أعمالك حتى تتمكن من زيادة مستويات الثقة الكافية لتسهيل مفاوضاتك المستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي