منوعات

التغير المناخي .. أكثر أدوات القتل رعبا في العالم المعاصر

التغير المناخي .. أكثر أدوات القتل رعبا 
في العالم المعاصر

يقر أهل الاختصاص بأن البشرية سائرة في طريق الهلاك، فالعد العكسي قد بدأ بعدما وصلنا إلى خطوط التماس مع الكارثة. ما الذي يحدث على كوكب الأرض؟ غالبا ما يثار هذا السؤال عند كل خبر أو واقعة لها علاقة بالتغير المناخي. فالإجماع قائم حول انتقال التغير المناخي إلى مستوى عدّه تحديا غير مسبوق للبشرية، فوفق رسالة تحذيرية لباحثين؛ من جامعتي أكسفورد "بريطانيا" وأوتريخت "هولندا"، إذا لم تتخذ الحكومات إجراءات صارمة قبل عام 2035، فستكون الإنسانية على وشك بلوغ نقطة حاسمة، يصير معها الحفاظ على ارتفاع معدل الحرارة أقل من درجتين عن معدلات ما قبل الثورة الصناعية، أمرا بعيد المنال.
يرى البعض في هذا الأمر مجرد مزايدات في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الحقيقة أكبر من ذلك، فالقارة الأوروبية؛ على سبيل المثال، تلقت في الـ20 عاما الأخيرة أقوى ست هجمات من موجات الحرارة "2002، 2003، 2010، 2016، 2018، 2019"، وسجلت فرنسا رقما قياسيا لأول مرة في تاريخها، حيث وصلت الحرارة إلى 45.9 درجة مئوية، فيما تخطت حاجز 40 درجة مئوية في إسبانيا، ما يعني أننا وصلنا فعليا - بحسب الدراسة ذاتها - "نقطة اللاعودة" التي تحتم اتخاذ إجراءات ملحة وعاجلة بهذا الشأن.
لا يعلم كثيرون منا كون التغيرات المناخية؛ بمختلف أنواعها، إحدى أكثر أدوات القتل رعبا في العالم المعاصر، إذ تسببت موجهات الحرارة المفرطة فقط، دون اعتبار لباقي الأحداث المناخية المتطرفة "الفيضانات والأعاصير والجفاف"، في مقتل نحو 60 ألف شخص في روسيا سنة 2010، وفي الهند واجه أكثر من 1700 شخص المصير نفسه عام 2015، فيما تجاوز الرقم ألفي قتيل في باكستان في موجة الحر نفسها. أما حصاد أوروبا فكان ثقيلا في موجة عام 2003، حيث تجاوز عدد القتلى 60 ألف شخص، وكلفت الاتحاد الأوروبي ما مقداره 13 مليار دولار خسائر.
إن قضية تغير المناخ والارتفاع غير المنضبط في معدل درجة حرارة العالم كله، لها تداعيات على الاقتصادات العالمية، ما دفع بكثيرين من رجال الاقتصاد إلى دق ناقوس الخطر بشأن ذلك، فقد قدروا أن تصل الخسائر الناجمة عن هذه الظاهرة إلى 23 تريليون دولار في غضون السنوات الـ80 المقبلة، حسب تقرير لـ"وول ستريت جورنال". من جانبهم أكد مختصو البنك الدولي، في تقريرهم للعام الماضي، أن استمرار معدل ارتفاع حرارة الأرض كما هو يتسبب في خسائر تقدر ما بين 5 في المائة و20 في المائة من إجمالي الناتج القومي العالمي، وهي خسائر أكبر من التي تسببت فيها الحربان العالميتان الأولى والثانية، إضافة إلى تلك التي ترتبت على مرحلة الكساد الاقتصادي الكبير في القرن الـ20. الوعي بهول الكارثة تنامى بشكل ملحوظ في أوساط التلاميذ والشباب، حيث شهد عديد من مناطق العالم؛ أزيد من 120 بلدا، على مدار الأشهر الماضية مظاهرات واحتجاجات، فيما عرف عالميا باسم "جمعة المستقبل"، ضد تباطؤ جهود الحكومات عالميا في معالجة تغير المناخ، حيث أعربت الناشطة البيئية السويدية الشابة جريتا تونبرج، في إحدى الوقفات أمام برلمان بلادها، عن حجم الخطر المقبل بقولها، "نحن حديثو العهد في هذا العالم، سيتعين علينا العيش مع هذه الأزمة، نحن وأطفالنا وأحفادنا والأجيال المقبلة. لن نقبل ذلك".
يحدث هذا في وقت باتت فيه قضية التغير المناخي على رأس جدول أعمال الدول الأوروبية، بعد إرجاء موعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد حتى أواخر شهر تشرين الأول (أكتوبر)، فقد سارعت ثماني دول أوروبية "بلجيكا والدنمارك وفرنسا ولكسمبورج وهولندا والبرتغال وإسبانيا والسويد" نحو تقديم وثيقة بغرض حث الاتحاد الأوروبي على التحرك فورا لمعالجة المشكلة، داعية الاتحاد إلى تخصيص 25 في المائة من ميزانيته للسنوات السبع المقبلة "2020 - 2027" لمشاريع ترمي إلى مجابهة تغير المناخ.
تؤكد الوثيقة في إحدى فقراتها أن "التغير المناخي هو تحد عالمي، وله تبعات عميقة على مستقبل البشرية والأرض، وقد ظهرت آثار ذلك في موجات الحر الشديد والحرائق المستعرة التي طالت أنحاء مختلفة من أوروبا". وتضيف مبينة أنه "لا بد من إنجاز تحول عميق وشامل للقطاعات الاقتصادية كافة، بهدف مكافحة التغير المناخي". وفي الشق المالي تؤكد "ضرورة إعادة توجيه التدفقات المالية، الخاصة والعامة، نحو العمل المناخي. ومن شأن ميزانية الاتحاد الأوروبي، أن تكون أداة مهمة في هذا السياق "..." وكقاعدة عامة، لا ينبغي لميزانية الاتحاد الأوروبي أن تمول أي سياسة تضر بهذا الهدف".
لكن هذه الوثيقة قوبلت بعدم اهتمام من جانب عديد من الدول، حيث بادرت كل من ألمانيا وإيطاليا بمعية كل من بولندا وهنجاريا وجمهورية التشيك إلى معارضة الخطة الطموحة لخفض الانبعاثات التي طرحتها المفوضية الأوروبية في إطار القمة الأوروبية التي انعقدت في بروكسيل. وتشتمل الخطة على مطالبة الدول بخفض الانبعاثات بـ95 في المائة فضلا عن تخفيض آخر لـ 5 في المائة من خلال تمويل برامج تقليص الانبعاثات خارج الاتحاد الأوروبي.
لقد كان هاريسون فورد نائب رئيس المنظمة الدولية للمحافظة على البيئة على حق، حين أكد أن العالم "يواجه ما أعتقد أنه أكبر أزمة أخلاقية في عصرنا". ففي الوقت الذي يزداد فيه الوعي الجماهيري - شيبا وشبابا - بهول الكارثة، يصر قادة السياسة على التجاهل والإنكار، فقبل أشهر تعهد الرئيس البرازيلي بولسونارو بفتح غابة الأمازون أمام الاستغلال التجاري، ما سيشكل خطرا على صحة الكرة الأرضية برمتها.
تبقى السبيل الوحيدة إذن هي مزيد من الضغط لفرض تدابير وإجراءات من شأنها وقف هذا التدهور، إننا نحتاج إلى مطالبة الحكومات والشركات والمجتمعات بالعمل بجد والاستثمار في البيئة وفي مستقبلنا، حتى لا يواصل الكوكب الاحترار... وإلا "فلن ينجو أحد من البشر بكل بساطة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من منوعات