صنع القرار والقوى الكامنة «1 من 2»

العناصر الحاسمة في معضلة صنع القرار، قد تكون خارج نطاق إدراكنا الواعي، فقد تكون القرارات المهمة التي يجب على القادة والمديرين اتخاذها كعمليات الاندماج، أو تغيير طريقة سير العمل أو حتى التوظيف، أمرا مرهقا للأعصاب. حيث يطلب منهم تغطية كل صغيرة وكبيرة وجميع الخيارات المتاحة. يتضمن ذلك استكشاف المشاعر والتحيزات تجاه المشكلات والعقبات المحتملة عند صناعة القرار، ففي حال وجود انطباع غير مريح أو بدت المشكلة مستعصية، عادة ما يكون هناك حل يجب عليهم إيجاده، وغالبا ما يكمن الحل في اللاوعي من إدراكنا.
وجدنا بناء على خبرتنا الطويلة في مجال تعليم وتطوير التنفيذيين، أنه غالبا ما يفسر الواقع الإنساني والاجتماعي، حتى التنظيمي ليس فقط بناء على السبب والأثر، بل أيضا عن طريق العمليات الربطية، وتبعد هذه العمليات كل البعد عن التفكير المنطقي الممنهج، الذي يوظف عادة في حل المشكلات، الذي يتسبب لنا في شعور سيئ حيال شيء ما، أو تفضيل شيء ما على الرغم من أنه لا يبدو منطقيا. يحثنا هذا النهج المنطقي للبحث إلى تفسير السبب الأساسي للمشكلة. كالتساؤل "لماذا يحدث هذا؟"، الذي نلجأ إليه عندما لا تسير الأمور وفقا لخططنا أو العجز عن فهم وتبرير الأشياء.
عندها تصبح الأساليب التقليدية المعتمدة على المنطق والتفكير المنهجي غير كافية، تصبح العقبات والحلول غير مرئية بتاتا، حتى في وضح النهار، ما يتطلب اتباع نهج مختلف.
قمنا بتطوير إطار عمل جديد أطلقنا عليه "الرؤية الليلية" للتغلب على هذا التحدي. وهو بدوره يساعد المديرين وفريق العمل على رؤية الزوايا المظلمة من وعيهم، حيث يكمن جوهر المشكلة. يشتمل هذا المفهوم على سلسلة من تقنيات التحليل النفسي المرتكز على مبدأ التداعي الحر، الذي يدعو إلى إجازة طرح أي موضوع وحرية التعبير والمناقشة لأي فكرة أو صورة قد تتبادر إلى أذهاننا عند تحليل المشكلة. قمنا بعدها بحث التنفيذيين وفريق العمل على البحث عن الأنماط ضمن هذه الأفكار الربطية، والبدء في صياغة الخيارات، التي تم التوصل إليها من خلال الأفكار الربطية السابقة، فعلى سبيل المثال: بدلا من مناقشة مشكلة المبيعات عن طريق طرح السؤال: "لماذا توقف العملاء عن شراء منتجاتنا؟" يتم السؤال بطريقة: "ما الذي يتبادر إلى ذهننا عند التفكير في أن عملاءنا يقبلون على شراء منتجاتنا على نحو أقل؟" سؤال بسيط كهذا قد يفتح أمامنا رؤى جديدة.
يعد هذا الأسلوب نقيضا للسلوك الذي يتبناه بعض المديرين القائم على نظرية: "لا تطرح أمامي المشكلة، بل أحضر لي الحلول". لا يضيق هذا النهج بنطاق التفكير فقط، بل يكبت النقاش البناء الذي قد يفتح أمامنا رؤى جديدة. عادة ما يتوصل القادة في نهاية المطاف إلى عدة خيارات للاختيار بينها، لكنها لا تحل السبب الأساسي للمشكلة، ما يجعل عملية صناعة القرار أكثر صعوبة وأقل فاعلية.
ولقطع الطريق أمام هذا النوع من الجهد الإضافي قمنا بتطوير مفهوم "الرؤية في الظلام"، الذي يدرس حاليا في جامعة إنسياد، ضمن برنامج "ماجستير التنفيذيين في الاستشارات والقيادة من أجل التغيير". ويعد إحدى التقنيات التي طورناها، لمعالجة القضايا غير السببية وغير المدركة، الكامنة في عملية صنع القرار... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي