أدوات الدين والصكوك وتطور التقنيات

منذ إنشاء هيئة السوق المالية والدعوات مستمرة من أجل تطويرها لتستوعب أنواع الأدوات المالية كافة، ذلك أن مثل هذه التنوع يفتح مزيدا من القنوات الاستثمارية، ويمكن الأفراد والمؤسسات من بناء محافظ استثمارية متنوعة بين أصول سائلة أو شبه سائلة وبين أصول معمرة ذات عائد، فالاستثمار تكتنفه المخاطر، ويتجه رأس المال إلى تلك الأنواع من الأصول الأقل مخاطرة، لكن ليس بالضرورة أن تكون تلك الاتجاهات الاستثمارية في مصلحة البناء والتنمية في البلاد، فالاقتصاد بحاجة إلى بناء قدراته المتنوعة وهذا لن يحدث إلا من خلال تدفقات مستمرة وموثوقة لرأس المال، فإذا كانت الاتجاهات الاستثمارية الشائعة هي في الأصول المعمرة ذات الأسواق غير الفعالة، فإن قدرة هذه الاستثمارات تتناقص بشكل ملحوظ على إعادة هيكلة ذاتها من أجل توفير سيولة لاقتناص فرص النمو الاقتصادي والصناعي في البلاد، ولهذا يقع على عاتق الحكومة بناء مؤسسات مثل هيئة السوق المالية والشركات التابعة لها من أجل فتح منافذ الاستثمار المتنوعة، ونجحت هيئة السوق من خلال شركة تداول في توفير منافذ جيدة حتى الآن من أهمها صناديق الريت وأيضا الأسواق المالية في السندات والصكوك بمختلف أنواعها، لكن نجاح هذا الاتجاه يعتمد على أمرين معا: الأول العمق المناسب من هذه الأدوات من خلال عددها وتنوع مخاطرها وأيضا تنوع عوائدها، والأمر الآخر تكلفة التداول فيها.
وإذا كانت السوق المالية قد نجحت من خلال مكتب الدين العام في وزارة المالية من توفير فرص استثمارية هائلة مع تنوع الإصدارات الحكومية من السندات والصكوك، وأيضا ما تم أخيرا من تخفيض القيمة الاسمية لهذه الصكوك لتبلغ ألف ريـال فإن "الاقتصادية" ومن خلال رصدها واقع الحال حتى الآن تجد أن تكلفة التداول لم تزل مرتفعة، وأن حل هذه المسألة يقع على عاتق مؤسسات الوساطة المرخص لها وأيضا على عاتق وعي الأفراد بهذا النوع من الاستثمارات.
من اللافت أن أول صفقة للأفراد تمت بقيمة 1058 ريالا، وذلك على الصكوك ذات مدة الاستحقاق طويلة الأجل "شريحة الـ30 عاما"، في حين تم تنفيذ ثاني صفقة على السندات الإسلامية الادخارية متوسطة الأجل "شريحة السنوات العشر" ، وذلك بعلاوة سعرية بلغت 93 ريالا عن القيمة الاسمية، لتتم الصفقة بعد ذلك عند 1093 ريالا. ومن الصعب حاليا فهم هذا السلوك، خاصة أن الاستثمار في السندات له قواعد تختلف عن الاستثمار في الأسهم، إذ إن العوائد على السندات ثابتة ومعلومة مسبقا وليست خاضعة للتنبؤ مثل الأسهم، ولهذا فإن اتجاهات المبالغة في أسعار السندات بأعلى مما تحققه من عوائد تجعل هناك شكا في قدرات الأفراد على فهم هذه الأدوات ودورها الاقتصادي، خاصة أنها تمثل ملاذات آمنة مع القدرة على التحول إلى النقد عند الضرورة، ومع ذلك فهناك نشاط مقبول نوعا ما حتى الآن مع وصول إجمالي تداولات أدوات الدين الحكومية، في السوق المالية السعودية، إلى 1.31 مليار ريـال، والمتوسط اليومي لتداولات أدوات الدين الحكومية بلغ 52 مليون ريـال.
في الجانب الآخر رصدت "الاقتصادية" أن معظم المستثمرين الأفراد يواجهون تحديات تقنية لدى وسطاء التداول، وهناك صعوبات في قياس عمولة الوساطة، حيث أكد تقرير "الاقتصادية" أن هذه العمولة بلغت 25 نقطة أساس، أي ريالين ونصف الريـال عن كل صفقة صكوك، أي عن كل ألف ريـال، وهذه الرسوم عالية إذا تمت مقارنتها بأسواق عالمية تتقاضى نقطتي أساس. مرة أخرى تظهر مشكلة الثقافة العامة بشأن هذا النوع من الأدوات المالية، وهذا ليس مستغربا فقد سجل عديد من الأسواق المالية مشكلة تطور ثقافة المستثمرين في أدوات الدين، ومن المتوقع أن تتحسن هذه الثقافة مع تطور أدوات وتقنيات شركات الوساطة وأيضا المنافسة بين أدوات الدين نفسها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي