التمويل .. ونجاح استثمار الصكوك الحكومية

أصبح التمويل علما متكاملا، له نظرياته ومفاهيمه، وله مدارسه الفكرية المختلفة، كما أن المتخصصين في علم التمويل يعدونه من رأس المال البشري المهم، صناعته تستغرق وقتا طويلا.

 

وقد نجحت المملكة في بناء منظومة متكاملة وآمنة جدا لرأس المال، ولأسواق التمويل بكل تنوعها، بدءا من مؤسسات التمويل الخاصة المتوسطة والصغيرة حتى البنوك الاستراتيجية، وسوق مال واسعة ومتنوعة لأوراق المال والسندات والصكوك، كل هذا جاء بجهد وتخطيط تنموي طويل، وكانت المملكة تضع كل جهدها في دعم منظومة التمويل للقطاع الخاص، وجاء عديد من التشريعات أخيرا لينظم هذا القطاع، لكن من اللافت في السنوات الأخيرة اتجاه الحكومة السعودية إلى التعامل مع سوق الأوراق المالية بطريقة مختلفة، حيث توجهت مع إطلاق برنامج التوازن المالي إلى تدشين مكتب الدين العام في وزارة المالية، وهو الذي سيتولى مهام إصدار ومراقبة الصكوك والسندات التي ستصدرها تباعا.

كما أشرنا، فإن التمويل أصبح علما متكاملا، فالدين لم يعد مجرد عبء يثقل كاهل الإنسان والاقتصاد والتنمية، بل هو مصدر مهم من مصادرها. وكقاعدة عامة، فإن الحصول على رأس المال والدفع به في مفاصل الاقتصاد والتنمية، يتطلب مقابله تكلفة الحصول عليه، حتى لو تم الحصول على رأس المال هذا من خلال الضرائب أو الموارد الذاتية أو حتى الاستثمار، فهناك دائما تكلفة للحصول على المال، وأيضا هناك تكلفة الفرصة البديلة الملازمة للتنمية دائما، لهذا فإن تكلفة الحصول على رأس المال دائما تدور مدارها ولا يمكن تفاديها أبدا، ليأتي علم التمويل بكل نماذجه ومعادلاته ليقدم أفضل فرص الحصول على المال وبأقل تكلفة ممكنة، هنا قد تكون سوق الدين والصكوك أفضل وسيلة متاحة للحصول على المال بأقل تكلفة وأقل مخاطر، لكن هذا يتطلب دراسة مستفيضة لدراسة البدائل واختيار الوقت المناسب والسوق المناسبة. هكذا تبدو لنا أهمية مكتب الدين العام، فالمسألة تتجاوز قضية طرح سندات إلى اتخاذ قرارات اقتصادية مهمة، وحققت التجربة السعودية في سوق الدين والصكوك نجاحا واسعا واستثمارا فريدا للوقت والظرف الراهن للاستفادة من الأسواق العالمية بأقل تكلفة متاحة، ولعل الإصدار الأخير للسندات الحكومية باليورو يؤكد هذا المفهوم تماما.

لقد نجحت المالية العامة السعودية في جميع الإصدارات المحلية بالريـال أو العالمية بالدولار، وشهدت جميع الإصدارات تسابقا عالميا نحوها، رغم استخدام معدلات فائدة منخفضة، والسبب في ذلك - كما أشرنا - الاستثمار الجيد للوقت والثقة بالاقتصاد السعودي، فالإقبال الضخم على السندات الحكومية يؤكد أن تصنيف المملكة لدى الدائنين أعلى بكثير من التصنيفات المعلنة من مؤسسات التصنيف، رغم أنها تعد مرتفعة عالميا، لكن من الواضح أن الدائنين والصناديق المالية، وهي تتدافع للحصول على حصة من السندات السعودية بأقل خدمة للدين، ترى السندات والصكوك السعودية خالية من المخاطر، أي أنها الأعلى تصنيفا، ودون شك أن ذلك صحيح عمليا، فالاقتصاد السعودي يتمتع بأفضل فترات من النمو والاستدامة. لذا، فإن الإقبال على السندات طويلة الأجل لا يقل اهتماما عن القصيرة والمتوسطة.

من المهم الإشارة هنا أيضا إلى أن وزارة المالية، ومن خلال مكتب الدين العام، وبالتنسيق مع هيئة السوق المالية، تسعى إلى جعل السندات والدين الحكومي مصدرا مهما للاستثمار الفردي، وتم تعديل القيمة الاسمية للصكوك من مليون ريال في السوق المحلية إلى ألف ريال، ما منح المتداولين الأفراد القدرة على الفوز بحصة من السندات ذات العوائد المضمونة، وكان له تأثير واسع المدى، حيث سيتم تصحيح جميع عوائد الاستثمار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي